الصنعة الفكرية ومرجعية الوحيين للمثقف المسلم
الصنعة الفكرية ومرجعية الوحيين للمثقف المسلم
يركِّز الكاتب هنا على سمات المثقف المسلم “المثالي” وأولاها هي الصنعة الفكرية والتي تتجلَّى في عدة أمور، أولها المعرفة التخصصية فلا بدَّ من الإلمام من علم من العلوم المتخصِّصة في صورتها المعاصرة، يلم بأهميتها وتاريخ نشأتها ومواضيعها ومصادرها الأصلية والفرعية وكيفية استثمارها والانتفاع بها في الواقع، وأن الطريق الأفضل لذلك هو الدراسة النظامية وليس الاكتفاء بالقراءات الشخصية وإن تعدَّدت، بل بالجمع بينهما، بل والترقي بعد ذلك لمراحل الدراسات العليا ونيل شهادتي الماجستير والدكتوراه، وثانيها الالتزام بالمنهجية العلمية، ففي أي معرفة هناك موضوع للدراسة والبحث، وهناك منهج للنظر فيه، وللمسلمين تاريخ عريق في التصنيف والتأليف عن المناهج العلمية، ومنها أصول الفقه الذي يضع قواعد النظر في النصوص الشرعية، وثالثها الاجتهاد والإبداع؛ فلا يصحُّ التكاسل والإخلاد إلى مقولات وأفكار غير مناسبة للواقع المعاصر، بل لا بدَّ للمثقف أن يكون مبدعًا، وليس مستهلكًا لمعارف أنتجها غيره.
والسمة الثانية للمثقف المسلم أن يتخذ من القرآن والسنة مرجعية، بمعنى أن يجيب عن سؤال أساسي، وهو ماذا يمثِّل الإسلام كدين في القرآن والسنة من الناحية الثقافية؟ فلا بدَّ من اتخاذ الوحيين مرجعية للإجابة عن الأسئلة الكبرى، وليس كما يتسمَّى البعض بمسمَّى المثقف الإسلامي وربما يتبنَّى أفكارًا ومقولات تتناقد مع قطعيات الوحي، بل على المثقف المسلم أن يعتنق معطيات القرآن والسنة في المجالات الثلاثة؛ العقيدة والقيم والنظم الاجتماعية والسياسية والقانونية.
ويتجلَّى الانتماء الثقافي للإسلام في عدة قضايا كبرى، على رأسها تفسير الوجود، فهناك إيمان بالغيب وبالبعث وبالنشور، وبالجنة وبالنار، وأن الإنسان عمره محدود، وأن هناك آخرة وجنة ونارًا، وأن الحياة ما هي إلا ممر نحو الحياة الحقيقية، وهناك قضية التوحيد الذي هو جوهر الإسلام، والذي يجعل تمايزًا بين الخالق والمخلوق، وأن الله هو الذي خلق الكون بسمائه وأرضه، وأنه على الإنسان أن يتوجه قصدًا وطلبًا وتحررًا إلى الله دون سواه من المخلوقات، وعلى المثقف أن يربط الناس بالله (عز وجل)، وأن ينشر نظرة تفاؤلية وهو يتفاعل ثقافيًّا في مجتمعه مما يولِّد الأمان النفسي في مجتمعه، وأيضًا التأكيد أنه لا حفظ كرامة الإنسان إلا توحيد الله دون سواه، والتحرُّر من جميع أنواع الاستعباد.
الفكرة من كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
يطرح هذا الكتاب بعدًا نظريًّا وبعدًا واقعيًّا، البعد النظري يدور حول ماهية الثقافة وموقعها من المجتمعات، وشخصية المثقف ومقوماته، والبعد التطبيقي يختصُّ بالتحوُّلات الثقافية في العالم العربي في القرنين الماضيين، وتأمل حال من تسمَّوا بالنخبة الثقافية عصرانيين كانوا أو إسلاميين، مع وضع تصور للخصائص والمؤهلات والملكات التي ينبغي أن يتحلى بها المثقف المسلم في العصر الحديث.
مؤلف كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، وعضو المجلس العلمي بمركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
من أهم مؤلفاته: “مصادر المعرفة بين الفكر الديني والفلسفي”، و”السلفية وقضايا العصر”، و”حقيقة الفكر الإسلامي”، و”مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر”.