الصرخة الأولى
الصرخة الأولى
يقول الله (سبحانه وتعالى) في كتابه: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فقد خلقنا الله (عز وجل) بشرًا لهم قدرات فطرية، ومزودين بأعضاء لاستخدام تلك القدرات تكريمًا لنا عن باقي المخلوقات، ومنها القدرة على النطق ومعرفة اللغة ويكون من خلال الأعضاء الصوتية والجهاز العصبي، لكن تحتاج تلك القدرات إلى بعض التدريب كي تعمل بشكل فعَّال، وتبدأ منذ التنشئة في السنوات الأولى من حياة الطفل.
فالتنشئة اللغوية السليمة للطفل تكون من خلال التالي: الزواج من امرأة صالحة كما قال (صلى الله عليه وسلم): “فاظفر بذات الدين، تَربت يداك”، حتى تتم تربية الطفل على سماع الخير، ولا يتعرَّض للسخرية أو الشتم، وتعليمه القرآن والدعاء له، وتوفير بيئة نفسية آمنة للأم أثناء الحمل وعدم تعرُّضها لأصوات عنيفة، فالطفل يتأثر بكل ما يحدث للأم وقت الحمل، وحديث الأم لطفلها سرًّا وجهرًا وقت الحمل له أثر جيد في التكوين العقلي والجسدي والنفسي للطفل.
حتى الخروج الأول للطفل يكون بصرخة شديدة تهتز أوتاره الصوتية من خلالها، ويدخل الهواء لأول مرة إلى رئته، من خلال جهازه الصوتي الذي يوجد في الفم وعضلاته واللسان والحنجرة بأجزائها، ووظيفتها السمع، وتعمل من قبل ميلاد الطفل بثلاثة أشهر، لذا يوجهنا الإسلام إلى إلقاء التكبير والشهادتين في أذن الطفل بعد خروجه مباشرةً، ثُم يُسمَّى اسمًا جميلًا ومريحًا للسمع ولا يحمل معنى الشؤم أو الشر أو الحيوانات، ثم تعقبها مرحلة أخرى، وهي شهوره الأولى، حيث يعبر عن حاجته سواء كانت قضاء الحاجة، أو الجوع، أو الشعور بالألم من خلال الصراخ والبكاء، وقد يصرخ ويبكي في وقت راحته، ويسكت بعد فترة دون تدخُّل أحد، فهو يدرِّب أحباله الصوتية، كما يساعده هذا على التنفُّس والإخراج، لذا يجب على الأم الاتصال الدائم بالطفل ومداعبته والحديث معه وقت الرضاعة بشكل خاص، والملاحظة الدقيقة لبكائه وصراخه، فقد استطاعت بعض الأمهات معرفة نوع البكاء والغرض منه، وقد يكشف بُكاؤه عن عيوب خلقية، مثل: الصمم والبكم.
الفكرة من كتاب لُغَةُ الطفلِ
يُحفَظ كيان وشخصية الأمة بين الأمم إذا حُفِظت هويتها، والهوية تتمثَّل في شيء أساسي هو اللغة، والعربي المسلم له هوية وعقيدة في لغته العربية لأنها اللغة التي أُنزل بها القرآن الكريم كمعجزة بين العرب على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ما زاده اعتزازًا بها وزاد اللغة العربية شرفًا، وأعلاها الله (عز وجل) بين الأمم حين مدحها في كتابه الشريف (عز وجل) وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
فالمجتمع العربي المسلم يحمل هَمًّا ومسؤولية تجاه لغته، لكنه أهمل هذه المسؤولية حين ابتدع الناس لهجات عامية خاطئة فتأثرت اللغة العربية، حتى إنهم يُدرِّسُون بالعامية في المدارس ويتحدثون بها في الندوات والمحاضرات وعلى شاشة التلفاز، بل هناك دول طَمستْ لغتها تمامًا واستبدلتها بلغة مشوهة تحمل من اللغة العامية واللغات الأجنبية، ما جعل صغارهم لا يتعرفون على لغتهم الأصلية، فالطفل يولد على فطرته يرى ما يفعله مجتمعه وأهله ويقلِّدهم، وهذا يضع على كاهل الأسرة مسؤولية تعليمه لغته الأم، حتى لا تتشوَّه لغته.
في كتابنا هذا يعرض الكاتب مراحل تعليم الطفل اللغة وتأثيرها فيه، وتأثير البيئة فيه، وكيف ينمو لغويًّا.
مؤلف كتاب لُغَةُ الطفلِ
شاكر عبد العظيم: أستاذ المناهج وطُرق التدريس بجامعة حلوان.