الصراع بين الإسلام والنصرانية
الصراع بين الإسلام والنصرانية
إن الصراع بين الإسلام والنصرانية هو صراع قديم، دبَّ في أوصال الأمم والأمصار، ويظهر عبر التاريخ كراهية الشعوب غير المسلمة للإسلام، وبخاصة في قلوب الأوروبيين، لكن استفاد الأوروبيون من تجاربهم السابقة في الصراع مع العالم الإسلامي، ويتضح ذلك في أربع مراحل من الصراع بين الإسلام وبين المسيحية الشمالية.
المرحلةُ الأولى كان فيها الصراعُ لهزيمة المسيحية في أرض الشام ودخولِ أهلها في الإسلام، وبناءً عليه أمَلت اختراق دارِ الإسلامِ لتَسْترِدَّ ما ضاع، وكان دافعها في ذلك بغضاء مستقرة في النفوس، وظلَّ الصراع قائمًا لم يفتر، أكثر من أربعة قرونٍ، وأما المرحلة الثانية فكان فيها صراع الغضب المتفجِّر المتدفِّق من قلب أوروبا، المشحون أيضًا ببغضاء جاهلةٍ عنيفة سفَّاحةٍ للدماء، وكان أول مَا سفَحَت هي دماءَ أهل دينها من رعايا البيزنطية، والتي جاءت تريدُ هي الأخْرَى، اختراقَ بلاد الإسلام، وذلك في عهد الحروب الصليبية التي بَقيت في الشام قَرنين من الزمان، ثم ارتدَّت مدحورة إلى أصولها في قلب أوروبا، وأما المرحلة الثالثة فهي مرحلة صِراع الغضب المتولِّد من هزيمة الكتائب الصليبية، ومن وراءه كراهية عنيفة يُلجِمها اليأس من اختراق بلاد الإسلام مرة ثالثة بالسلاح وبالحرب، فارتدعَتْ وشغلت نفسها بإصلاح الخلَل في الحياة المسيحية، وذلك بالاعتماد الكامل على علوم المسلمين، وذلك كي تستطيع إخراج المسيحية من مأساتها الكبرى، وظلَّت على ذلك قرنًا ونصف قرنٍ في القرون الوسطى.
وأما المرحلة الرابعة فهي صراع الغضب المتفجِّر إثر فتح القسطنطينية الذي ازداد اشتعالًا بسبب ميراث البغضَاء ِوالحِقْد الغائر في العِظام على المسلمين الأتراك، والذين كانوا الوحش المفزع المخترق لأوروبا، وكل هذا أدَّى إلى يَقَظةٍ شاملة في أنحاء أوروبا قامت على الإصرارِ والدأب، واهتمَّت بالتركيز على تحصيل العلم وعلى إصلاح الخلَل في الحياة المسيحية.
الفكرة من كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
إنَّ المدخل الوحيد لاستخلاص واستنباط أصول الثقافة العربية والإسلامية عند “محمود شاكر” هو منهج “التذوُّق” الذي تحدَّث عنه في مختلف كتاباته، وليس في كتابنا هذا فحسب، وقضية التذوق عند محمود شاكر هي قضية حياته المحورية التي تجلَّت في كل كتاباته، الأمر الذي تعدَّى إذن القراءة المجردة للنصوص، أو حتى القراءة النقدية التفصيلية، وإنما تغلغلت حتى بلغت العظم منها والنخاع، وهي درجة عظيمة من النفوذ في البيان العربي، درجة مكَّنته من بلوغ منزلة فريدة من الاجتهاد والتغلغل في اللسان العربي فاستطاع أن يقرأ التراث العربي والإسلامي ويستنبط أصوله، بل استطاع “تذوُّق” طعم النص حتى استخلص تلك الأصول والمنهجية منه، ولم يُجرِ “محمود شاكر” تلك المنهجية على الشعر فقط، وإنما على النصوص المنثورة أيضًا، فكان منهجًا عامًّا له على كل ما قرأ.
مؤلف كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
محمود محمد شاكر: لُقِّب بأبي فهر، وُلِد في 1 فبراير عام 1909، وتوفي في 7 أغسطس 1997 م، وقد نشأ الأستاذ محمود شاكر في بيئة متديِّنة، إذ كان أبوه كبيرًا لعلماء الإسكندرية ثم وكيلًا للجامع الأزهر، ولم يتلقَّ إخوته تعليمًا مدنيًّا، أما هو وقد كان أصغر إخوته، فقد انصرف إلى التعليم المدني، فتلقَّى أولى مراحل تعليمه في مدرسة الوالدة أم عباس في القاهرة سنة 1916 ثم بعد ثورة 1919 إلى مدرسة القربية بدرب الجماميز، وهناك تأثَّر كثيرًا بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها ولكونها جديدة عليه، ولما كان يقضي أوقاتًا كثيرة في الجامع الأزهر فقد سمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! ومن الجدير بالذكر أنه حفظ ديوان المتنبي كاملًا في تلك الفترة.
ألَّف الأستاذ “محمود شاكر” هذا الكتاب في عام 1978، تقريبًا في نفس الوقت الذي ألَّف فيه “إدوارد سعيد” كتابه “الاستشراق”، هذا الكتاب “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لم يكن منفصلًا وإنَّما صدر كمقدِّمة لكتاب “المتنبي”.