الصدمة والأمان
الصدمة والأمان
كلما تعرَّض الإنسان للصدمات في عمر مبكِّر كانت نتائجها ذات تأثير أكبر، وكلما كانت من الأقربين تأصَّلت تلك النتائج بداخله أكثر، وأسهمت في بنائه النفسي، حيث تسرق منه أمانه الداخلي، ويحل محله الخوف والقلق الدائم؛ قلق من الغد، ومن المجهول، ومن الآخرين، ومن المستقبل، وحتى ولو غابت الصدمة فأثرها الشعوري يبقى كما هو، فيعاني الإنسان ما يُسمَّى “كرب ما بعد الصدمة”، ويرى العالم مكانًا خطرًا وموحشًا، ويعتقد دائمًا أن شيئًا ما سيِّئًا سيحدث، حتى ولو لم تتوافر الأسباب لهذا الاعتقاد، فالصدمة في الأساس عند حدوثها لم تكن لها أسباب واضحة، وكانت تبريرات الإساءة غير متناسبة مع الأفعال، فغاب المنطق من عالم الضحية، وأصبح الشعور بعدم الأمان هو الشعور الرئيس.
وقد يؤمن المرء بالعبثية والعشوائية نتيجة تعرُّضه للإساءة، ويرى عدم تحقق للمعنى في الوجود، ويكون كل هذا مدخلًا نفسيًّا للإلحاد، وعدم القدرة على الإيمان بفكرة وجود إرادة حكيمة واحدة تحكم هذا الكون، لأنه يرى العالم من عين الصدمة التي عاشها فقط، وكم من مرة لهج فيها بالدعاء للرب طلبًا للنجاة ولم تأتِ! وتكثر تساؤلاته العقلانية والفلسفية نحو الدين، ويتم حصره ممن حوله في ركن الإلحاد، فتزيد الخسارة ويفقد الله، ولا يفيده هاهنا البحث بين طيات الكتب، ولا البحث الفلسفي بشيء، بل يكمن الحل كله بين طيات النفس، والتعافي من آثار الإساءة.
وحينما يقرِّر المرء التغيير، ويبدأ في اتخاذ خطوات نحو التعافي يشعر وكأنه ملاحق بعقوبة ما ستنزل أسرع من قدرته على المواكبة والتغيير، وذلك نتيجة لتعرُّضه لصدمات مبكرة؛ استجاب لها الجهاز العصبي السمبثاوي مفرزًا الأدرينالين، الذي يمنح الجسد إما إشارة إلى الهرب أو الصراع من أجل البقاء، فيتعوَّد الجسد هذا الشعور بالتأهُّب وترقُّب وقوع الخطأ حتى ولو تلاشت الصدمة، ولذلك تظلُّ الأحلام تراود المرء عن لجنة الامتحان التي انتهى وقتها قبل أن يتمكَّن من إنهاء المطلوب، وحتى في اليقظة يشعر دائمًا بأن هناك وقتًا حرجًا لن يتمكَّن من تنفيذ المطلوب خلاله، وعند فهم تلك الأبعاد النفسية، ينسى الجسد ذكرياته المؤلمة، ويبدأ في الالتئام حقًّا.
الفكرة من كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الآباء الجيدون يرتكبون أشياء سيئة، والأمهات الجيدات بما يكفي يرتكبن الأخطاء، لكن يتحدث الكاتب هنا عن العائلات التي ترجح فيها كفة الإيذاء عن العناية، والخطأ عن الصواب، فيبدأ كلامه بذكر أنواع الإساءة التي قد يتعرض لها الناس خلال رحلة حياتهم من خلال والديهم، وينهي كلامه بعرض خطوة التعافي من تلك الإساءات، والبحث عن الشفاء.
مؤلف كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الدكتور عماد رشاد عثمان: طبيب بشري من الإسكندرية، كاتب وباحث ملتحق بدرجة ماجستير أمراض المخ والأعصاب، والطب النفسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية، له العديد من المؤلفات، ومنها:
رواية “اقتحام”.
أحببت وغْدًا.