الصحافة الشبكية والسياسة
الصحافة الشبكية والسياسة
فيما مضى انتشرت خرافات عدة حول الصحافة الشعبية التي تبالغ في قوة الإعلام ومدى تمكُّن الرأي العام من انسياب كقوة ديمقراطية مباشرة، وإحدى هذه الخرافات أن الشبكات الإعلامية الأمريكية بشكل ما غيَّرت بنشراتها الإخبارية مسار أحداث حرب فيتنام، وفي واقع الأمر خلال ذروة الحملة الإعلامية التي كشفت بشاعة الحرب في جنوب شرق آسيا، أعيد انتخاب الرئيس نيكسون، وفي وقتنا الراهن بات الإعلام يوفِّر تغطية صحفية وتحليلًا فوريين للعملية السياسية أثناء حدوثها، لذا ففئة كبيرة من الناس لديها كم جيد من المعلومات السياسية أكثر من أي وقت مضى، لكن بعد النهاية الرائعة للحرب الباردة وما تلاها من مرحلة التحرر الديمقراطي عام 1989 وإلى الآن، بات شغف الأشخاص تجاه السياسة التقليدية أقل بكثير، فالقوى الاقتصادية والاجتماعية والدينية أصبحت أشد تأثيرًا في التاريخ أكثر من الحكومات وقادة الأحزاب، وعلى ذلك فقد بات الخبر السياسي بالنسبة للصحافة التقليدية معقدًا للغاية.
يقول جوزيف ستيجليتز: “لا تقلِّل حرية التعبير وحرية الصحافة من انتهاكات السلطة الحكومية فحسب، بل تعزِّز تلبية الاحتياجات الاجتماعية الأساسية للأفراد أيضًا»، وظهرت مقولته جليًّا في المثال الأفريقي، فالطريقة التي يصوِّر بها العالم أفريقيا عامل مؤثر على اتخاذ الحكومات لقراراتها بشأن المعونات، وتصدير المحنة الأفريقية في إطار مشكلة بإمكاننا المساعدة على حلها في حفلات الروك، أمر غاية في الخطورة، وبالنظر إلى الأمر قلَّما تم التعامل مع المشكلات الأفريقية على أنها قابلة للنقاش والتفاوض، وبخاصةٍ أن الإعلام الإخباري الغربي يركِّز على أصحاب الحملات النبلاء الساعين إلى إقناع الساسة بالهرع لمساعدة أفريقيا، وتخصُّص الصحف والنشرات لهم ولنشطاء الأعمال الخيرية مساحة مميزة، أكبر مما تتلقَّاه أفريقيا ذاتها.
وهنا شهدت أفريقيا زيادة رائعة في استخدام الإنترنت، وبفضل ذلك ما زال الصحفيون في زيمبابوي قادرين على تقديم تغطية جيدة ونقل المعلومات من خلال مواقع خارجية كموقع The Zimbabwean، وكما يقر المراسل الأفريقي ستيف بلومفيلد أن المدوِّنين هم أصحاب كثير من أفضل التغطيات الصحفية الميدانية من دارفور.
الفكرة من كتاب الإعلام الخارق
يرى جميعنا أن الوضع الحالي لوسائل الإعلام الإخبارية، أفضل مما كان عليه في الماضي، لكننا نعيش لحظات خطرة، فما من ضامن أن الحالة النافعة نسبيًّا ستستمر، بل على العكس؛ يوجد كم هائل من التهديدات التي تواجه جودة وسائل الإعلام الإخبارية وإمكاناتها، لذا علينا المحافظة على القيم الداعمة للصحافة الحرة كجزء ناجح من المجتمع، ففي خضم التهافت على التطور الرقمي، لا ينبغي السماح للخوف بتشكيل المستقبل.
ولا يسعنا إنكار تأثير الإعلام المتزايد في الأحداث العالمية، فمن المستحيل فصله عن الظروف العامة، ومهم للغاية إعادة تقييم فكرة محو الأمية الإعلامية؛ فما من أمل في الصحافة الشبكية إن كان من يمارسونها غير مؤهلين لها، فهم بحاجة إلى امتلاك فكرة عن حقوقهم وواجباتهم؛ كي يصيروا أكثر اندماجًا في المجتمع من خلال عملية الصحافة.
مؤلف كتاب الإعلام الخارق
تشارلي بيكيت: مؤسس ومدير مؤسسة Police البحثية بكليتي لندن للاقتصاد ولندن للاتصالات، وهي تتمثل في مُنْتَدَى للمناقشات والأبحاث حول الصحافة والمجتمع، ويمارس حَالِيًّا الكتابة وتقديم البرامج حول الصحافة العالمية، وسبق له العمل في عدة برامج إخبارية تابعة لمحطة BBC.
معلومات عن المترجمة:
فايقة جرجس حنا: درست الترجمة التحريرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك بعدما تخرجت عام 2002 في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وفي عام 2016 فازت بجائزة المركز القومي للترجمة للشباب في دورته الرابعة، عن كتاب “نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية”.