الصحافة
الصحافة
بدأت رحلة كاتِبنا مع الصحافة في سن مُبكرة، لكنّها اختلفت في ماهيّتها، فقد بدأ رحلته معها في العاشرة من عمرهِ وكان ذلك عام 1916م، وعمل بتوزيع الجرائد بمنطقة المرفأ ببيروت، بأجرٍ يساوي (ثلاث ليرات)، وكان تقريبًا أول أجرٍ له في رحلةِ الكسب، ثم بعد ذلك بثلاث سنوات في صيف 1919م أخذه عمّهُ حُسين إلى جريدة “لاسيري” الفرنسية ببيروت، فعمِل بها في تنظيف الحمّام وما يَتبعُه، ثم بعدها تطوّرت الوظيفة إلى إعداد لفائف المشتركين بالجريدة، وقد استمر هذا العمل بشكلٍ جزئي في فترة الدراسة بالمرحلة الابتدائية ساعتين يوميًّا، ثم في عام 1923م اتخذت العلاقة مع الصحافة شكلًا آخر غير خدميّ، وإنما نشر وكِتابة؛ فبدأت بطلبٍ من أستاذ اللغة العربيّة نجيب نصّار بكتابة موضوع إنشائي عن الطيران طلب منهم تسليمه بعد العطلة مباشرةً، وقد رد إلى جميع الطلبة موضوعاتهم، إلّا موضوع الدكتور عمر، إذ أخبره المُعلِّم بإرساله إلى جريدة الأحوال، فتم قبوله وصدر في عددين متتاليين، ثم في نهاية العام الدراسيّ طلب أستاذ اللغة العربية موضوعًا آخر عن الحرير، وتم نشره في الصفحة الأولى لجريدة الأحوال، وهُنا بدأت مسيرة الكتابة الصحفيّة في حياة الدكتور عمر عن طريق مُعلِّمه الأستاذ نجيب، فاستزاد من المقالات المختلفة إلى جرائد لُبنان، وقد شارك في الكتابة في جريدة الأحرار، ووليدتها جريدة صوت الأحرار على التوازي، وقد كان يوقع باسمٍ مستعارٍ وهو “صريع الغواني”، وعَمِل أيضًا في جريدة الحضارة، فكان يعملُ فيها بالترجمة، وكتابة الشعر، والمقالات المتفرّقة، وبعد أحد عشر عامًا من العمل في جريدة الحضارة أنشأ الدكتور عمر مع عبد الله المشنوق وزكي النقاش مجلة أسبوعية باسم “الأمالي”، ثم مع ضغوطات عِدّة، توقّفت المجلّة، واتجه الدكتور عُمر إلى تأليف الكتب، لكنّه لم يتخلَّ عن الكتابة في الصحف والمجلات إلى يوم كتابتهِ هذا الكتاب.
الفكرة من كتاب غبار السنين
هذا الكِتاب عرضٌ لغبار خطوات المؤلّف في حياتِه، تارِكًا فيه عنان التقييم للقارئ، غيرَ محتكرٍ لمعنىً أو أثر، وأغلب هذه الخطوات من الحياة الاجتماعيّة للمؤلف، ومن أسفارِه، وعملِه، ونشأته، والكتاب مكون من مقالات متفرقة نُشرت في جريدة السفير، وآثر فيها الكاتب أن تكون نابعةً منه دون أي تأثير خارجيّ؛ فرفض الحصول على أجرٍ ماديّ مقابل هذه المقالات، حتى لا يتأثر -مجبرًا- بسياسة الجريدة الداخليّة، مرّت فيها حياته بالكثير من المراحل والعناوين الرئيسة، وقد تعامل الدكتور عمر بجديّة -على عكس السائد- في كتابة مقالاته بشكلٍ عام، وذلك لسببين: أولهما أن له كُتبًا مكونة من مقالاتٍ مجمّعة، ككتابنا هذا، والثاني أن بعض كتبه كان تمهيدها مقالًا مكتوبًا في إحدى الجرائد، لذا فقد اعتنى عنايةً كبيرة بهذه المقالات.
مؤلف كتاب غبار السنين
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثًا وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم، منها تاريخ الأدب العربي، وتاريخ الإسلام المصوّر في التأليف، والسيرة النبويّة لابن عفّان، وتاريخ ابن شهاب في التحقيق.