الصحاري المصرية.. والمجتمع السفلي
الصحاري المصرية.. والمجتمع السفلي
تطرَّق راسل بعد ذلك إلى الصحاري المصرية، إذ رأى أن نحو عشرة بالمائة فقط من مساحة مصر مزروعة، وتضم المساحة الباقية كلًّا من الصحراء الغربية، والصحراء الشرقية، وصحراء سيناء، باستثناء بعض الواحات والشريط الساحلي، والعلمُ أن رحلات الصحراء تتطلَّب ثلاث ضرورات، وهي: الماء، والمرشدون، وقصاصو الأثر، لكن الصحراء لا يمكن الاستهانة بها أبدًا، أما في أيام العمل العادية في المديريات فقد كان الاستمتاع متمثلًا في صيد الأفاعي، وقد قابل راسل حاوي الأفاعي، وهو رجل يمارس لعبته مع الأفاعي أمام الناس، أو يقوم بتنظيف المنازل من الثعابين.
ولفت راسل النظر إلى ما شعر به الأجانب من تميُّز يسمح لهم بأي شيء إلا فيما يتعلَّق بملكية الخديوي، إذ يتذكَّر ما فعله مسؤول وزارة الداخلية، الكابتن هيبارد، حين صفع مدير محطة منطقة الضبعة المصري نتيجة مشادة كلامية، ومن المفترض أن ذلك أمر طبيعي آنذاك كونه ضابطًا إنجليزيًّا، إلا إن هذا الحادث قد وقع على سكة حديد ماريوت، والتي تعد ملكية خاصة للخديوي، والعاملون فيه هم خدم الخديوي وليسوا موظفين في الحكومة، ليتم نقل هيبارد ثم طرده، وفي عام 1913م، تم نقل توماس راسل إلى القاهرة للعمل كمساعد لحكمدار القاهرة “هارفي باشا”، وقد بدأت الشرطة في تكوين كوادر حديثة من “الكونستابلات” -أي أمناء الشرطة- وهم من الحاصلين على شهادات تعليمية متوسطة.
تطرَّق راسل بعد ذلك إلى ما أسماه بـ”المجتمع السفلي للقاهرة”، ويتذكَّر تحديدًا منطقة وش البركة، وهي منطقة تضم الكثير من الانحلال الخلقي والدعارة، على الرغم من أنها كانت قبل سنين منطقة راقية، وهي ليست مرخصة رسميًّا، وتشابهها في ذلك منطقة “الوسعة” لكنها مرخَّصة، كما أن القانون آنذاك كان يسمح بعمل “القواد”، وهذا يعني ببساطة أن الإتجار بالبشر كان أمرًا منظمًا رسميًّا، لكنه استطاع بحيلٍ كثيرة ضبط العديد من المجرمين.
الفكرة من كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
في عام 1902م، بدأ توماس راسل حياته في مصر بالعمل لدى وزارة الداخلية أثناء الاحتلال البريطاني، وما هي إلا أعوام قليلة حتى استطاع أن يتولَّى منصب حكمدار القاهرة، وهي مكانة مهمة تجعله على رأس شرطة العاصمة، إلا إنه كان مختلفًا بعض الشيء عما عرفه المصريون من الإنجليز، فقد أحدث تطوُّرات واسعة في وقت عانت فيه مصر من الجريمة وانتشار المخدرات التي أهلكت نصف سكانها آنذاك.
ولعلَّ ما يميِّز هذا الكتاب هو سرده الصريح لفترة ندر الحديث عنها في سجلات التاريخ، والتي تتطرَّق إلى أحوال مصر في بداية القرن العشرين، والتي يسردها أخطر وأدهى رجال البوليس الإنجليز آنذاك، ومؤسس أول مكتب لمكافحة المخدرات في مصر، توماس راسل.
مؤلف كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
توماس وينتورث راسل: (1879-1954) هو ضابط شرطة إنجليزي خَدَم في مصر أثناء فترة الاستعمار الإنجليزي، وقد درس العلوم الإنسانية في جامعة كامبريدج، ثم اتجه إلى العمل بوزارة الداخلية المصرية بعد أن استقر وعاش معظم حياته في مصر، وتولَّى منصب حكمدار القاهرة برتبة فريق أول، وهو أعلى منصب أمني بالعاصمة، ويُذكر لراسل أساليبه الجديدة التي أدخلها في الشرطة المصرية، ونجاحه في مكافحة المخدِّرات التي كانت قد وصلت ذروتها خلال أواخر العشرينيات.
معلومات عن المترجم:
مصطفى عبيد: هو كاتب وصحفي وباحث تاريخي ومترجم مصري، تخرَّج في قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة، وقد عمل بالصحافة والتأليف والترجمة، ومن مؤلفاته كتاب “كتب هزَّت مصر”.