الشعبويون ووسائل الإعلام
الشعبويون ووسائل الإعلام
يُشكل الحزب دورًا أساسيًّا في حالة التمثيل التفويضي، لكن في حالة التمثيل بوصفه تجسيدًا كما في الشعبوية، فإن الدعايا ووسائل الإعلام هي التي تلعب دورًا رئيسًا ومحوريًّا، وذلك راجع إلى أن وسائل الإعلام تحقق هدفين، الهدف الأول وضع الزعماء في مواجهة مباشرة مع الأعداء من مؤسسة الحكم، والهدف الثاني أنها تُيسِّر نشر أفكار الزعيم التي يريد أن يستوعبها الشعب، لذا فإن الزعماء الشعبويين يعشقون التواصل عبر وسائل التواصل الإعلامية بدلًا من التواصل عبر منظمات الأحزاب، ومن ثمَّ تجد الشعبوية تربة خصبة في البلدان التي يشعر الشعب فيها بفقدان الثقة تجاه الأحزاب والتحزُّب، فعندما تتآكل الهيئات الوسيطة التي شيدتها الديمقراطية التمثيلية ينتهي زمن الناشطين السياسيين، وتنتهي الانتخابات وتتحول إلى مجرَّد استفتاءات لتزكية الزعيم، وتصبح الآراء خاضعة لسيطرة وسائل الإعلام التقليدية أو شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا تحل الصورة الفعَّالة وفن الخطابة كمحفزين لجمهور المتلقين، الذي بالتبعية يتحوَّل إلى جمهور ساذج عبارة عن ثمرة يسهل قطفها من جانب الزعماء.
وبناءً على ذلك فإن أي انتصار انتخابي في ظل هذا الجو، هو في الحقيقة انتصار للزعيم وخبراء الإعلام الذين يُطلقون العنان لطموحات الزعيم، قديمًا استغلت الفاشية وسائل الإعلام المتاحة في أيامها كالمذياع والسينما، واليوم تستغل الشعبوية التليفزيون والإنترنت والثورة التكنولوجية بشكلٍ عام، إذ بإمكان الزعماء الشعبويين أن يتحدثوا إلى الشعب مباشرة، كما بإمكانهم أن يُدلوا بدلوهم من خلال تعليقاتهم اليومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما كان يفعل دونالد ترامب بتغريداته على موقع “تويتر”، فقد كان يستهلك جزءًا من وقته في التغريد للأمريكيين والتعليق على الأحداث، ما أدى إلى خلق “برلمانية مباشرة” تعتمد على وجود تواصل مستمر بين الزعيم ومواطنيه، كما أنها تعمل على تقزيم دور وسائل الإعلام التقليدية ودورها الرقابي كسلطة رابعة، ومن ثمَّ تعد الشعبوية في عصرنا الحالي سياسة زهيدة التكلفة بفضل الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، كما أنها مكنت الزعماء من حلم التخلص من الأحزاب، وجعلت شرعيتهم تأتي من خلال شعبيتهم اليومية بين جمهور المتلقين.
وبناءً على ذلك، غدا الإنترنت كابوسًا بالنسبة إلى السياسيين، لأنه مصدر الاستفتاء اليومي على تصرفاتهم، كما أنه قضى على وسائل نشر المعلومات والتواصل التقليدية، فعزَّز الإنترنت من القضاء على أي وساطة سواء أكانت أحزابًا أم وسائل إعلام يمكنها أن تفصل الشعب عن السياسة وعن الزعيم.
الفكرة من كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
تتحدث المؤلفة عن الشعبوية وتكشف أنها ظاهرة قديمة وليست حديثة، إلا أن ما يُميزها اليوم عن الأمس أنها أصبحت متفشية في جميع البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية، وتُبين أن الشعبوية في صورتها الحالية تُعد واحدة من أنماط الحكم التمثيلي المشوّه، الذي يهدف إلى إحلال الديمقراطية الشعبوية بوصفها تجسيدًا للشعب محل الديمقراطية الحزبية بوصفها تفويضًا من الشعب، ومن ثمَّ توضِّح أن الشعبوية عبارة عن علاقة مباشرة بين الزعيم الشعبوي والشعب الصالح دون أي وسطاء كالأحزاب، وأنها تظهر نتيجة تآكل الأحزاب السياسية التقليدية، كما استعرضت الدور الذي يقوم به الزعماء الشعبويون في المعارضة وبعد الوصول إلى السلطة من أجل الحفاظ على مكانتهم بين جمهور المتلقين.
مؤلف كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
ناديا أوربيناتي : هي أستاذة كرسي للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا، من كتبها:
Mill on Democracy.
معلومات عن المترجم:
عماد شيحة: هو كاتب ومترجم وروائي سوري، تخرج في كلية العلوم بجامعة دمشق، كما حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، من أعماله:
رواية “موت مشتهى”.
رواية “غبار الطلع”.
من ترجماته:
صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط.
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.