الشعبوية وتحويل الانتخابات إلى استفتاءات
الشعبوية وتحويل الانتخابات إلى استفتاءات
عندما تدخل الشعبوية إلى مضمار المنافسة السياسية، فهي تدخلها من أجل اكتساب الشعب كليًّا لاعتقادها أن شعبها هو الشعب الأصلي والحقيقي، في حين أن الديمقراطية التمثيلية لا تدخل المنافسة السياسية من أجل اكتساب الشعب بشكل كامل، ومن ثمَّ فإن الطريقة التي تُدار بها المنافسات السياسية هي التي تُظهر الفارق بين حزب شعبوي وآخر ديمقراطي، كما تكشف منهجهما لحكم الدولة باسم الشعب، ولكي نفهم الشعبوية في خصوصيتها ينبغي أن نركز على الطريقة التي تمارس بها الشعبوية الديمقراطية، ونكتشف ما الذي تريد الشعبوية تحقيقه من خلال سعيها إلى الحكم بوصفها الشعب.
إن أي حزب شعبوي يصل إلى السلطة يرى أنه من المشروع اتخاذ قرارات ضد من لا ينتمون للشعب الحقيقي، وهذا راجع إلى أن الحزب الشعبوي يرى نفسه الممثل الخيّر الوحيد عن الشعب، لذا فإن أي احترام تُبديه الشعبوية للتعددية الحزبية والمعارضة هو احترام زائف ومؤقت، بينما تعتمد الأحزاب الديمقراطية مبدأ “التقييد الذاتي” الذي يجعل المنافسة السياسية مفتوحة أمام الجميع، لأن مستقبلها يتوقف على قابلية تحويل الأغلبيات إلى أقليات وتحويل الأقليات إلى أغلبيات، بينما من المستحيل أن ترى الشعبوية في نفسها أقلية، بل ترى نفسها تجسيدًا لإرادة الشعب وأنها التأويل الوحيد والصحيح للمصلحة العاملة، ومن ثمَّ فهي لا ترى في نفسها إلا تعبيرًا عن الأغلبية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، وبناءً على ذلك فإن الشعبوية لا تعترف بمبدأ الأغلبية، بل تعترف بالأغلبية التي تعلن أنها تمثلها، وهذا إفساد للديمقراطية، لأنها تحوِّل التصويت وحكم الأغلبية إلى مجرَّد طقوس وشعائر، أي عدًّا للأصوات وجمعها، ومن ثمَّ تصبح العملية الانتخابية مجرَّد احتفالٍ بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، ففي نظرهم هم يمثلون الشعب الصالح بغض النظر عن التصويت، وبالنسبة إليهم تقوم الانتخابات بكشف الأغلبية الموجودة بالفعل التي تمثل الشعب الصالح، ومن ثمَّ فهي لا تخلقها، على أن هذه الأغلبية التي يُبرزوها الزعيم ليست مثل كل الأغلبيات، بل هي الأغلبية الصالحة، وشرعيتها ليست في العدد، بل هي شرعية أخلاقية، وبناءً على هذا الاعتقاد فإن هذه الأغلبية في مرتبة أعلى من الديمقراطية، ومن ثمَّ فإن الشعوبية تستخدم الانتخابات كاستفتاءات، وبالتالي تشوِّه الانتخابات وإجراءات العملية الديمقراطية التمثيلية.
وبناءً على ذلك، فإن الشعوبية عندما تصل إلى السلطة، فإنها لا ترى في نفسها مجرد فائز عادي ومؤقت، بل ترى نفسها الفائز الأفضل الذي يأخذ على عاتقه استعادة الشعب الحقيقي الصالح، ومن ثم فإن الشعبوية تستخدم الأساليب والإجراءات الديمقراطية من أجل غايات لا تمت للديمقراطية بصلة، كإذلال الأقليات والاعتداء على حقوقها، ومن ثمَّ فإن الشعبوية في مكان وسط بين الديمقراطية المباشرة والفاشية.
الفكرة من كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
تتحدث المؤلفة عن الشعبوية وتكشف أنها ظاهرة قديمة وليست حديثة، إلا أن ما يُميزها اليوم عن الأمس أنها أصبحت متفشية في جميع البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية، وتُبين أن الشعبوية في صورتها الحالية تُعد واحدة من أنماط الحكم التمثيلي المشوّه، الذي يهدف إلى إحلال الديمقراطية الشعبوية بوصفها تجسيدًا للشعب محل الديمقراطية الحزبية بوصفها تفويضًا من الشعب، ومن ثمَّ توضِّح أن الشعبوية عبارة عن علاقة مباشرة بين الزعيم الشعبوي والشعب الصالح دون أي وسطاء كالأحزاب، وأنها تظهر نتيجة تآكل الأحزاب السياسية التقليدية، كما استعرضت الدور الذي يقوم به الزعماء الشعبويون في المعارضة وبعد الوصول إلى السلطة من أجل الحفاظ على مكانتهم بين جمهور المتلقين.
مؤلف كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
ناديا أوربيناتي : هي أستاذة كرسي للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا، من كتبها:
Mill on Democracy.
معلومات عن المترجم:
عماد شيحة: هو كاتب ومترجم وروائي سوري، تخرج في كلية العلوم بجامعة دمشق، كما حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، من أعماله:
رواية “موت مشتهى”.
رواية “غبار الطلع”.
من ترجماته:
صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط.
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.