الشر السائل واللابديل
الشر السائل واللابديل
يغذِّي عصرنا الحديث حتمية النموذج الحالي، ويلغي فكرة أي بديل للتغيير، بل وتتم السخرية والاستهزاء وتهميش كل من يتخذون التغيير كهدف لهم سواء كان تغيير النظم السياسية والاقتصادية أو موقفنا من العلوم أو طريقة رؤيتنا للعالم، ويوصف عصرنا بعصر الخوف والسلبية وطغيان النزعة السوداوية.
هناك نموذجان للشر في الرؤية التاريخية في صراع بين المسيحية والمانوية: الشر الأخلاقي الديني الصلب الواضح المتمثل في الشيطان وأعماله وأعوانه، والشر السائل الحتمي الذي لا خلاص منه، وبينما يغذي النموذج الأول المسؤولية الفردية الأخلاقية للإنسان باختياره بين الخير والشر، ينفي النموذج الثاني تلك القدرة، بل يكمن الحل في تماهي الخير مع الشر وسيولة المفاهيم.
يعدُّ التمركز حول قيم السوق وانتشار الأنماط الاستهلاكية والفردية وسياسات التلاعب السياسي إحدى صور الشر السائل، فقد أدت الحرية بلا أي اتجاهات أو قيم أو مؤسسات ينتمي إليها الأفراد أخلاقيًّا إلى فقدان الإيمان بالتغيير وغرقهم في المجهول، والاستسلام للواقع ونزع بذور الممانعة والرفض، وتدريجيًّا صارت الحرية نفسها بين الاستهلاك والوجاهة.
كذلك احتقار الخصوصية، وقد ساعدت على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فالفرد يعرِّي نفسه بيده، ويعرض أدق تفاصيل حياته على الآخرين، واضعًا سيكولوجيته في العراء تتحكَّم فيها عوامل خارجية، مثل اهتمام الناس بالتفاعل وتقييم حياتك بناء على نظرات الآخرين، حتى تلك الوسائل لديها بيانات عن تفضيلاتك ورغباتك، ما يسهل على السوق توقُّع وبيع السلع لك.
الفكرة من كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
ما هو الشر؟ سؤال رغم بساطة صياغته فإنه يمثِّل معضلة صعبة، فلطالما كان الشر مرتبطًا في نظر الأديان والشرائع القديمة بالشيطان وأفعال الإنسان عندما يضل عن طريق الحق، أي أنه كان صلبًا محدَّد الشكل والملامح، تستطيع تمييزه من الخير، وتبعًا لذلك تنقسم رؤية العالم إلى أبيض وأسود، خير وشر، ولكن ماذا نفعل إذا تمَّت إسالة هذه الكتلة الصلبة، وبدأت في السريان والتغلغل في أدق التفاصيل والسلوكيات اليومية؟
هذا ما وصل إليه الشر في عالمنا الحديث، فبعد إنكار وجود الإله سقطت الأخلاق المتجاوزة للمادة وخصوصية الإنسان، واتخذ الشر السائل صورًا متعددة، وأصبح أكثر تأثيرًا في حياة الأفراد والشعوب، فما هي تلك الصور؟ وما طبيعة الشر السائل، وما هو الاختلاف بينه وبين الشر الأخلاقي القديم؟ هل عالمنا يدفعنا إلى الغرق في المزيد من الشر؟ وما البديل الذي أمامنا؟ بل وهل هناك بديل مطروح من الأساس؟
مؤلف كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
زيجمونت باومان: بروفيسور علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، طرد من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، واستقر في إنجلترا منذ عام 1971م، وله عائلة مكوَّنة من ثلاث بنات.
تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، وذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله: “الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”.
ليونيداس دونسكيس: منظِّر سياسي وأستاذ جامعي وفيلسوف، ولد في عام 1962م بليتوانيا، عمل في جامعة فيتاوتاس الكبير ببلاده، وتولى منصب عضو الاتحاد الأوروبي منذ 2009م إلى 2014م، توفي عام 2016م بسبب نوبة قلبية، من أشهر أعماله: كتاب “السلطة والخيال”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وله العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل: “عن الله والإنسان”، و”الحب السائل”.