الشرف الحقيقي
الشرف الحقيقي
“شرف المؤمن” تخيَّل أن هذا المصطلح يُطلق على قيام الليل! في الحديث أن جبريل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): “يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه… واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل…”.
وقيام الليل عبادة شريفة تحتاج إلى مجاهدة وتدريب، ولو تأمَّلت فيه قليلًا لوجدته مشابهًا للصيام من حيث المقصد، ففي الليل تهبط الظلمة ويسكن الناس ويُهيَّأ الكون لعبادات جديدة تختلف عن عبادات النهار، عبادات راقية يجتمع فيها سكون الليل بسكون النفس وسكينة القرآن، فيهبط قرآن الليل على قلب القارئ وكأنه يتنزَّل عليه تنزُّلًا، فالقلب وقتها صافٍ خالٍ من أي شغل آخر سوى المناجاة والتدبُّر، وما بالك إن كان هذا القيام في شهر القرآن! يقول (صلى الله عليه وسلم): “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه” يا له من ربح!
كم أقوم من الليل إذًا لأحظى بكل هذا الشرف العظيم؟ أأقوم ركعة، عشرة، مائة كما يُروى عن فعل بعضهم؟
لا هذا ولا ذاك، ارجع إلى النموذج المتوازن المبلَّغ عن ربه، مَن كان أتقانا لله وأشدنا له خشية، كان يقوم (صلوات الله وسلامه) عليه بالناس مرة إلى ثلث الليل ومرة إلى نصفه، وكان يصلي إحدى عشرة ركعة يختمها بالوتر، ولك إن صلَّيت وحدك أن تطيل ما تشاء بحسب قدرتك واستطاعتك ولتضع نصب عينيك هدي الحبيب.
إن أرباح الليل لا تنتهي، فهناك ربح من نوع آخر وشرف فوق كل شرف، إنه شرف التنزُّل الإلهي إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير نزولًا لا تنشغل بكيفيته وإنما انشغِل بتجهيز قائمة أمانيك وطموحاتك لتعرضها على ربك في ذلك الوقت، فهو سبحانه يقول: “هل من سائل يُعطى، هل من داعٍ يُستجاب له، هل من مستغفر يُغفر له”، سيد يطلب من عبيده أن يسألوه ليعطيهم!
هل انتهينا؟ بالطبع لا، ما رأيك أن تقرِن قيامك بالقرآن ودعاؤك في الثلث الأخير بالاعتكاف عشرًا في المسجد بعيدًا عن الناس والزوجة والأولاد والأعمال، عشرة أيام فقط تنعزل فيها تلحُّ فيها وتدعو ولا تنصرف حتى يُستجاب لك ويفتح الله عليك، تجلس في زاوية من زوايا المسجد متجرِّدًا من كل شيء ليس معك إلا كلام ربك وقلبك، فتَصِل الساعات بالساعات تتلو وتدعو وتتلو وتدعو وتعرض قلبك على الآيات بالنهار وتعرض نفسك على الله بالليل تطلب الأنس وتناجي الرب وتجتهد في الإخلاص راغبًا بذلك التغيير والخروج من رمضان بحلَّة جديدة ونفس جديدة، نفس عهدت القيام ليلًا والدعاء بسحر حين لا يراها أحد، ولكن احذر فتحصيل ذلك كله مرهون بالإخلاص لله وحده.
الفكرة من كتاب روح الصيام ومعانيه
كثيرة هي نفحات الدهر التي يتودَّد الله فيها لعباده، يتودَّد ليعطي ويسبغ فضله وكرمه وعطاءه، ومن أعظم هذه النفحات شهر رمضان شهر القرآن شهر الإحسان، بل شهر الأقدار والتغيير الحقيقي والقرارات الحاسمة، فَيَا بَاغِيَ الخير أَقبِل ويَا بَاغِيَ الشرِّ أَقصِر.
مؤلف كتاب روح الصيام ومعانيه
عبد العزيز مصطفى كامل،كاتب وعضو مجلس إدارة بمجلة البيان، حاصل على ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وللشيخ مؤلفات عديدة ومقالات متنوعة تخدم مجال الشريعة، ومن أبرزها:
العلمانيون وفلسطين: ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟
قبل الكارثة.. نذير ونفير.
معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.