الشخصية المصرية في عيونهم وعيون غيرهم
الشخصية المصرية في عيونهم وعيون غيرهم
تراوحت الكتب الكلاسيكية والمعاصرة في وصف الشخصية المعاصرة بين مدح وذم، إلا أن هناك شبه اتفاق على بعض الخصائص الأساسية التي تعد أركان أو أقطاب تلك الشخصية أولها التدين الذي إذا جاز أن يرد في دوافعها إلى الزراعة وطبيعة الحياة الزراعية على الأقل جزئيًّا، وثانيها المحافظة، إذ إن المصري مقيم على التراث والتقاليد ولا يقبل على الجديد بسهولة، وثالثها الاستمرار في الاعتدال الذي هو نتيجة المحافظة، ورابعها الواقعية، فهو مرتبط بالواقع ومتكامل معه ومندمج فيه فإذا عجز عن تغيير الواقع فإنه يلجأ إلى التعويض والتنفيس من خلال السخرية منه، ما يؤدي إلى الشخصية الفهلوية من خلال التذاكي واصطناع اللامبالاة، وهو نمط شائع الاستخدام في تفسير الشخصية المصرية بالخصوص وتقابل نموذج نادر ومرغوب يسميه وهو نمط “الشخصية المنتجة”، ويتسم الفهلوي بالقدرة على التكيُّف السريع، المبالغة في تأكيد الذات، وسيادة فكرة رومانتيكية للمساواة، إضافةً إلى الاطمئنان إلى العمل الفردي، وأخيرًا الرغبة في الوصول إلى الهدف بأقصر طريقة ممكنة.
وليس ثمة شك أن الصورة التي تعكسها الكتابات الكلاسيكية صورة قاتمة إلى حدٍّ كبير، وهو ما يزعج أنصار المبالغة في تقدير الذات، وعلى الرغم من ذلك يفسِّر بعض الكتاب تفسيرًا علميًّا للمزايا والنقائص، فبعضهم يوحي بأن النقائص جزء أصيل في المصريين بفعل الجغرافيا والمناخ والغذاء، فهم يحرصون دائمًا على تفسير النقائص في ضوء القهر والفساد السياسيين.
ورغم تعدُّد الحقب التاريخية التي جرى في إطارها وصف وتحليل خصائص الشخصية المصرية فإن نظرة سريعة على ما انتهت إليه تلك الكتابات تكشف عن الإشكالية الأركيولوجية للشخصية المصرية التي أشرنا إليها سابقًا.
إن الافتراض الأساسي الذي يوجِّه تحليلاتنا إلى خصائص الشخصية المصرية في ارتباطها بالإطار التاريخي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، يذهب إلى أن تلك الخصائص هي مظهر لعمليتين رئيستين هما التكيف والمقاومة اللتين أشرنا إليهما سابقًا، يفترقان حينًا ويلتقيان في بعض الأحيان، لكنهما في جميع الأحوال يمثلان مفتاحًا أساسيًّا لفهم الشخصية المصرية وإخلاء غموض تناقضاتها.
الفكرة من كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
استنادًا إلى مفاهيم ذات بعد ماركسي، يحاول أستاذ علم الاجتماع عرض أحوال الشخصية المصرية بشكل عام وثقافيًّا بشكل خاص، معتمدًا على فكرة محورية لتفسير صفات المصري القديم حتى الشخصية المصرية الحالية، وهي كونها رد فعل تلقائيًّا لعمليات القهر الممنهجة ضده منذ قديم الأزل مع وصف الآليات الدفاعية المختلفة التي ينتهجها ضد أشكال القهر وما يترتب على تلك الآليات من سلوكيات إيجابية أو سلبية تلتصق بالشخصية المصرية ليست ناتجة عن حتميات طبيعية.
مؤلف كتاب التكيُّف والمقاومة: الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية
الدكتور محمود عودة: أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ونائب رئيس جامعة عين شمس ورئيس لجنة قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات.
ومن مؤلفاته:
تاريخ علم الاجتماع.
أسس علم الاجتماع.
الصين الشعبية.