السينما
تحتل السينما المكانة الثانية بين أجهزة الثقافة بعد الراديو من حيث اتساع انتشارها وإقبال الجماهير عليها، وهي كغيرها من المُكتشفات الآليَّة الحديثة، يمكن أن تنفع الإنسان ويمكن أن تضره، فهي كغيرها من الأجهزة الآلية التي اختُرِعت أول الأمر لخدمة الإنسان ثم تحوَّلت إلى أداة للتجارة وكسب المال الحرام أو الحلال، حتى ولو كان هذا الكسب يعتمد أحيانًا على بيع سموم للناس لا تقل تدميرًا عن المخِّدرات وهذه هي السينما التجارية، ومن الممكن أن تتحوَّل السينما وتصبح جهازًا للثقافة والتهذيب، وكأداة جادة ومفيدة للسموِّ بالبشرية لا للانحطاط بها، وذلك أن الجماهير بحاجة إلى التربية الأخلاقية أو على الأقل الحماية الأخلاقية مما تعرضه القنوات من مشاهد تضر بالشباب والصغار.
ورغبة الجمهور المتردِّد على السينما هي رغبة في التسلية والترويح وهي غاية بعيدة عن التثقيف مما يضعف كفَّة السينما كجهازٍ للتثقيف، ولكن هناك من الأفلام ما يهدف إلى التثقيف مثل الأفلام الإخبارية والوثائقية، حيث تقدم سُبل المعرفة وتبصر المشاهد بالعلم والفن وتعد جزءًا من مرفق التعليم العام، ومن ثم وسيلة من وسائل التثقيف الصحيح، ولكن هذه الأفلام ليست سلعة تجارية مربحة مثل بقية الأفلام مما يحدُّ من سرعة انتشارها.
هذا وقد وجهت عدة اعتراضات من المحافظين ممن يرون أن السينما لا تصلح أن تكون جهازًا للثقافة والتثقيف بسبب سيطرة أصحاب رؤوس الأموال عليه ممن لا مصلحة لهم في نشر الثقافة، بل مصلحتهم في أن تظلَّ تلك الجماهير جاهلةً غيرَ واعيةٍ ومعصوبة الأعين حتى يستطيعوا الاستمرار في استغلالها وتحقيق الأرباح. والسينما شأنها شأن الاكتشافات العلمية الحديثة لا يمكن أن تُعدُّ شرًّا في ذاتها، وإنَّما يمكن أن تُصبحَ مصدرًا للشر إذا أسُِيء استخدامها، كما أنَّه من الممكن أن تصبحَ وسيلةً خيِّرة فعَّالة في نشر الثقافة والتهذيب إذا أحُسِن استخدامها.
الفكرة من كتاب الثقافة وأجهزتها
تنوَّعت وسائل الثقافة وأصبحت متاحة في المتناول، وبفضل التقدم العلمي تعدَّدت سُّبُلِ تحصيلِ الثقافةِ، وأصبحنا نملك عدة أجهزة جديدة للثقافة..
يوضح المؤلف في هذا الكتاب جدوى أجهزة الثقافة الخمسة في عصره، وهي: الكتاب المطبوع والصحف والمسرح والسينما والإذاعة، ويعرِّفنا بما تقدِّمه هذه الأجهزة المختلفة ووسيلة الاستفادة منها وكيفية استخدامها بطريقة نافعة تساعد على النهوض بفكر الإنسان وثقافته والمجتمع.
مؤلف كتاب الثقافة وأجهزتها
محمد مندور: أديبٌ وكاتب مصري وواحدٌ من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ في الأدبِ العربي الحديث، حصلَ على ليسانس الآدابِ، ثم ليسانس الحقوقِ، وبعدَها سافرَ في بعثةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا، وحصل هناك على ليسانس من السوربون في الآداب واللغات اليونانية القديمة واللاتينية والفرنسية والأدب المقارن، بالإضافة إلى الليسانس حصل من هناك على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، ثم الدكتوراه في الأدب العربي.
ترجَمَ العديد من الأعمال الغربية: منها رواياتِ «فلوبير» و«ألفريد دي موسيه»، و«تاريخ إعلان حقوق الإنسان»، وله العديد من المؤلفات في الأدب والنقد، ومن مؤلفاته: «نماذج بشرية» و«النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب».