السيف أصدق أنباءً

السيف أصدق أنباءً
مع بداية العدوان اتضحت خطط المعتدين لتقسيم البوسنة تمهيدًا لاقتلاع المسلمين من أراضي البلقان كلها، فسرعان ما أعلن الصرب والكروات عن خريطة البلاد المستقبلية على أن تكون للصرب خمسون بالمئة من أراضي البوسنة والهرسك، وأن تكون للكروات إحدى وعشرون بالمئة، بينما خُصص للمسلمين تسعة وعشرون بالمئة فقط استناًدا إلى مزاعم كونهم ضيوفًا في أراضي البلقان.

بالطبع رفضت الرئاسية البوسنية خطة التقسيم واقترحت بدلًا منها إقامة دولة اتحادية يتمتع فيها المواطنون من القوميات الثلاث بحقوق متساوية، وقد شهدت سراييفو العاصمة أول محاولة لإقامة اتحاد إسلامي كرواتي، على أن يكون أول رئيس للبوسنة والهرسك كرواتيًّا ويكون رئيس الحكومة مسلمًا، وبينما وافق برلمان كروات البوسنة على الخطة رفضها برلمان صرب البوسنة واستمروا بالعدوان.
لكن الأمور تغيرت منذ أبريل 1992م بعد نجاح المسلمين في إعادة تشكيل صفوفهم واسترداد مدن وقرى كثيرة من أيادي الصرب وأسر المئات من جنودهم، كما نجحوا في الاستيلاء على أسلحة ثقيلة ومدفعية تركها جنودهم الفارون، ما دفع القوى الدولية إلى تغيير موقفها، فأعلنت الولايات المتحدة أن هجوم قوات البوسنة دفاع مشروع عن النفس، وطالبت الصرب بالقبول بخطة سلام دولية لتسوية الأزمة، وطالب مجلس الأمن برفع حظر السلاح عن البوسنة والهرسك إذا رفض الصرب الخطة الدولية لإحلال السلام في المنطقة.
وقد سعت عدة قوى دولية لإحلال ذلك السلام كما تدعي، فقدمت الولايات المتحدة الأمريكية خطة رفضتها حكومة البوسنة لما فيها من مجاملة شديدة للطرف المعتدي، وفي المقابل قدم رئيس البوسنة “علي عزت بيجوفيتش” خطة بديلة قائمة على مبدأ سيادة البوسنة والهرسك وسلامة أراضيها، ويبدو أن خطة السلام أصبحت الملاذ الأخير للصرب بعدما أدركوا أن احتلال أراضي البوسنة والهرسك لم يكن نزهة لنحر رقاب مسلميها واغتصاب فتياتهم، فالمسلمون حرروا ثلث أراضيهم وهم عازمون على تحرير البقية سواء بالسيف أم بالقلم.
الفكرة من كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
كأننا في عام 1995م والحرب على أشدها في أرض غالية عُبد فيها الله سبحانه، كأننا نستمع لمراسل حرب عاش أجواءها وهو يمدنا -بعد بضع سنوات من اندلاعها- بتفاصيل المجازر وأعداد الشهداء وأحوال النازحين، نتابع معه أحوال تلك البلاد التي بلغت القاع وظُن أنها أندلس جديدة، يصيبنا اليأس، نتحسر، نبكي على انحداراتنا التي لم تعد تُحصى ثم نبتهج.. هناك أمل يلوح في الأفق، المقاومة بخير، وهي تدحر العدو عن أراضي الإسلام شيئًا فشيئًا، المجتمع الدولي مرتبك، والخصمان عنيدان، وخطة السلام المقترَحة تبدو مجحفة لأصحاب الأرض، فإلى أين تسير الأمور؟ هل ستضع الحرب أوزارها أم إن المجازر ستستمر؟
مؤلف كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
محمود بيومي: كاتب وصحفي مصري ولد عام 1946م، درس اللغة العربية في كلية الآداب جامعة عين شمس، وعمل رئيسًا لتحرير مجلة العربي في الفترة من 1992م إلى 2000م، وقد ألف عدة كتب منها:
اعتقال شعب: مأساة المسلمين في آسيا الوسطى.
الإسلام في خطر.