السيبرانية وتعزيز النرجسية
السيبرانية وتعزيز النرجسية
في إحدى المدارس بالولايات المتحدة الأمريكية كانت هناك معلمة تعاني آلامًا وتشنجاتٍ بسبب الحمل، فاقترب منها أحد الطلبة وأخرج هاتفه، وطلب منها أن تبتسم ليأخذ معها صورة سيلفي، لكنها لم تستطع أن تتصنَّع الابتسامة، ورغم ذلك التقط الطالب الصورة، ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلًا: “سيلفي مع مدرستي، وهي تعاني التشنُّجات”.
انتشرت الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيروس، وعلَّق عليها آلاف من الناس، لأنهم وجدوها “صورة مضحكة”، فهم لم يتوقَّفوا لحظة ليتأمَّلوا هذا التصرُّف الذي يجعل من معاناة الآخرين موضوعًا للسخرية والضحك، ولم يتوقف الناس عند حد الضحك والسخرية من الصورة، بل وصلوا إلى قصِّ الوجه وتركيبه على صور أخرى لتستمر السخرية في شكل جديد، والأغرب من هذا الموقف التقاط إحدى الفتيات صورة سيلفي وخلفها شخص يهم بالانتحار من أعلى جسر بروكلين!
أعتقد أيها القارئ أن مثل تلك المواقف قد مرت عليك في أثناء تصفُّحك مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعلك تسأل: لماذا يفعل الإنسان ذلك؟ والإجابة أن مثل تلك المواقف من اللامبالاة، وفقدان المشاعر تجاه شخص آخر يواجه أزمة حقيقية، راجعة إلى الأنانية والنرجسية التي انتشرت بسبب تأثير الفضاء السيبراني في السلوك البشري، فيقدم الشخص على هذا الفعل غير الإنساني، بسبب الحاجة إلى لفت انتباه الناس، وأن يكون محطًّا لأنظارهم، فيترتَّب على تلك النرجسية أن يتجاوز الإنسان مشاعر الآخرين، متجاهلًا آلامهم ومعاناتهم!
الفكرة من كتاب التأثير السِّيبراني.. كيف يغيِّر الإنترنت سلوك البشر؟
تشهد حياة البشر تغيرات كبيرة بفعل تأثير الفضاء السيبراني -الإلكتروني- في السلوك البشري، نعم، إن الحياة الواقعية تتميَّز عن الفضاء السيبراني، لكن هناك كثيرًا من المعايير الجديدة المستحدثة والناشئة في الفضاء السيبراني تهاجر منه إلى حياتنا الواقعية وتؤثر فيها، والعكس صحيح، ما يجعل الحد الفاصل بين الفضاءين يكاد يكون معدومًا، والسيبرانية هي “دراسة تأثير التطور التكنولوجي في السلوك البشري”، فنجد أن شعور المرء بأن هويته مجهولة في الفضاء السيبراني يعزز لديه (عدم التحفظ)، وبالتالي عدم الشعور بالإحراج مما يقول أو يفعل، وبالتالي نحن نعيش مرحلة فريدة جدًّا في تاريخ البشرية، فانتشار الكثير من التقنيات الجديدة يؤدي إلى عمل تشويش على الأفكار، كما يترتب عليه حدوث زلازل في نمط العيش والتفكير، فأدى ذلك إلى تغيير علاقاتنا مع الآخرين، وبما أنك تستخدم هذا الفضاء السيبراني وتقتطع جزءًا من وقتك لتعيش فيه، فعليك أن تعرف بعض الأشياء للتعامل معه، وذلك من خلال فهم طبيعة السلوك البشري، وكيف يتغير سلوكنا على الهواء (أي الفضاء السيبراني).
مؤلف كتاب التأثير السِّيبراني.. كيف يغيِّر الإنترنت سلوك البشر؟
ماري آيكن Mary Aiken: خبيرة عالمية أيرلندية في علم النفس السيبراني الذي يختص بدراسة تأثير التكنولوجيا في السلوك البشري، وهي أستاذة في علم النفس السيبراني الجنائي في جامعة شرق لندن، وأستاذة مساعدة في يونيفيرسيتي كوليدج دبلن بأيرلندا.
كما أنها عضو في مجموعة الإنتربول العالمية لخبراء الجرائم الإلكترونية، ومستشار أكاديمي للمركز الأوروبي للجرائم الإلكترونية التابع لليوروبول، وهي زميلة في الجمعية الملكية للطب، وزميلة عالمية في مركز ويلسون بواشنطن العاصمة، وعضو في جمعية Medico-Legal، وعضو منتسب دولي في الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) وزميلة جمعية محترفي تكنولوجيا المعلومات المعتمدين.
لها مجموعة من الكتب، ترجم منها إلى اللغة العربية:
كتاب “التأثير السيبراني.. كيف يؤثر الإنترنت في سلوك البشر؟”.
وباللغة الإنجليزية كتب منها:
Life in Cyberspace.
CyberPsyched.
معلومات عن المترجم:
مصطفى ناصر: مترجم عراقي حاصل على البكالوريوس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة البصرة، ونال جائزة الدولة للإبداع العراقي في حقل الترجمة عام 2019، له عدة كتب مترجمة، منها:
ما المعرفة؟
الأثر.. كيف يؤثر القانون في السلوك؟
الهجرة.. كيف تؤثر في عالمنا؟
التأثير السيبراني.. كيف يؤثر الإنترنت في سلوك البشر؟