السياسة ترسم حدود حرية السوق
السياسة ترسم حدود حرية السوق
تخبرنا الحقيقة الأولى أن لا شيء اسمه حرية السوق مطلقة، فحدود الحرية تُحدد بقرارات سياسية، بالإضافة إلى تسلمينا بعديد من القيود المحددة سلفًا كأنها غير مرئية، فقد كان يُسمح بتوظيف الأطفال في المصانع بالقرن التاسع عشر، حتى حظره قانون سياسي، رآه أصحاب رأسمالية السوق ضررًا لمصالحهم ومهددًا لحرية السوق فعارضوه، ومثلها الضوابط البيئية في عصرنا، وقوانين تنظيم الهجرة للبلدان الغنية، فالحرية إذًا تتغير باستمرار داخل إطار القوانين السياسية.
يرجو أصحاب الدعوة إلى حرية السوق أن تدار الشركات لمصلحة أصحابها من حملة الأسهم، لتحملهم المخاطرة، رغبة في تحقيق ربح أكبر، ولأن القيود تحدّ من أرباحهم فتزيل الحافز، ولكن الحقيقة الثانية تنصح بعدم إدارة الشركات لمصلحة أصحابها، فهم أقل المهتمين بشأنها، وأكثر الأشخاص قدرة على التحرك وترك الشركات تغرق بموظفيها، وعندها لن يخسروا إلا مقدار ما ساهموا به فقط، كما أنهم يساهمون في تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، لعدم زيادة الاستثمارات والاكتفاء بتقليل النفقات، وترك الإدارة لطبقة من المديرين المحترفين الذين تختلف رواتبهم في الدول الغنية عن نظيرتها الفقيرة، الأمر لا يتوقف عند المديرين فقط، فأغلبية الوظائف في البلدان الغنية تتقاضى أموالًا أكثر مما ينبغي،
وتلك هي الحقيقة الثالثة، فما سبب تلك الفجوة بين ما يتقاضاه عامل في السويد وآخر في نيجيريا؟ ليست الإنتاجية كما يتبادر إلى الأذهان، بل قوانين تنظيم الهجرة التي تمنع الفقراء من السفر إلى البلاد الغنية ومنافسة مواطنيها، لخوفهم من زيادة الضغط على البنية التحتية، وتهديد الهوية القومية، كما أن أغنياء الدول الفقيرة لا يستطيعون المنافسة عالميًّا، خصوصًا في ظل تعاسة الظروف وعجز مؤسسات الدول الفقيرة المستمر من عشرات السنين.
الفكرة من كتاب 23 حقيقة يخفونها عنك بخصوص الرأسمالية
يقال إن أول خطوة للتجهيل بأمر ما هي جعله يبدو معقدًا جدًّا، وذلك بمحاوطته بسدود التخصص، ولقد أصبح الاقتصاد من تلك الأمور التي نهرب منها بسبب سدودها المانعة، ولكن على عكس الاعتقاد الشائع، فحقائق الاقتصاد بسيطة يمكن فهمها، والتفاصيل التقنية التخصصية مساحتها محدودة جدًّا.
ولهذا فإن أول خطوة لتثقيف أنفسنا اقتصاديًّا، هي معرفة الحقائق الكبيرة لنظامنا الرأسمالي الحالي، لنجيب عن أسئلتنا، ما الطريقة التي تدار بها الرأسمالية؟ وهل تعني حرية السوق المطلقة؟ أم يمكن إدخال بعض التعديلات لجعلها أكثر نفعًا للجميع؟ لدينا ثلاث وعشرون حقيقة، ستبدد عديدًا من الخرافات الاقتصادية.
مؤلف كتاب 23 حقيقة يخفونها عنك بخصوص الرأسمالية
ها-جون تشانج: عالم اقتصادي كوري وأستاذ في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، ولد في 7 أكتوبر 1963 في سيول، بكوريا الجنوبية، واشتهر بتحليله النقدي للاقتصاد النيوكلاسيكي ودعوته إلى سياسات تعزز التنمية الاقتصادية وتقلل من عدم المساواة، عمل مستشارًا للبنك الدولي، وهو زميل مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية في واشنطن، واختير واحدًا من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم سنة 2014، حصل على عديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة جونار ميردال للاقتصاد في عام 2003، وجائزة ليونتيف لتعزيز حدود الفكر الاقتصادي في عام 2005.
ومن أهم كتبه:
السامريون الأشرار.. الدول الغنية والسياسات الفقيرة وتهديد العالم النامي.
ركل السلم بعيدًا.. استراتيجيات التنمية والتطور قديمًا وحديثًا.
معلومات عن المترجم:
محمد فتحي كلفت: مترجم ومدون وكاتب مصري ولد في أسوان، ترجم عديدًا من الأعمال منها:
قصة العلوم.
مقدمة قصيرة عن الإيدز.