السياسة العامة
السياسة العامة
نظر الشيخ زايد إلى السلطة باعتبارها وسيلة لهدف أسمى، وإن اختفى هذا الهدف فلا معنى للتشبث بها، فعندما اتحد حكام الإمارات أقروا دستورًا مؤقتًا يحجم بعض صلاحيات رئيس الدولة من قِبَل المجلس الأعلى للاتحاد كتوقيع القرارات والقوانين، وحل المجلس الاتحادي، وإعلان الحرب، لذلك صرح الشيخ زايد في بعض الأحيان عن عدم نيته لتجديد مدة رئاسته لأنه رأى أن الظروف تعوق مسيرته الحضارية، وأن تلك العراقيل كانت مقبولة فقط في السنوات الأولى من عمر الاتحاد، أما الآن فقد أصبحت عبئًا على مسيرته، كما عُرف عنه الصراحة والحسم والجرأة في مواجهة المشكلات واتخاذ القرار الحكيم للتعامل معها.
وكانت نظرته الاستراتيجية تقضي باستشراف المستقبل ووضع تصور كامل لما سيكون، فسعى إلى تثقيف الشباب والفتيات، لإيمانه بأنه لن تقوم صناعة وطنية ودائمة إلا على أكتاف أبناء ذلك البلد، ولذلك على الدول النامية دعم التخصص في عدد محدود من المجالات، للاستفادة من الخبرة العالمية حتى تصل إلى مستوى الخبرة الذي يمكن تصديره إلى الخارج، وبذلك تخرج من عملية استبدال الواردات وتصدير المنتجات الخام العديمة القيمة.
كما ركز على تجنب العداوات لأن الدولة التي تملك منها كثيرًا تتحول إلى خزان وقود قابل للانفجار في أية لحظة، وهذا ما ظهر جليًّا في تجنب الصدام مع إيران بعد احتلال الجزر الإماراتية، وآثر حل المسألة على طاولة المفاوضات قبل اللجوء إلى السلاح، وظهر أيضًا في نبذه للاستعمار والتمييز العنصري ودعمه لمساعي الشعوب الإفريقية نحو الاستقلال، لذلك أصر على الانضمام إلى حركة عدم الانحياز التي تدعم سيادة الشعوب على أراضيها، كما نادى بسد الفجوة بين البلدان النامية والمتطورة على أسس اقتصادية دولية عادلة، أما قضية إقامة أحلاف وقواعد عسكرية في بلاده فلم تكن قابلة للنقاش، إذ رآها مرحلة ما قبل الاستعمار مباشرة، وفي المقابل صرح بأن بلاده تعد نفسها صديقة لأية دولة تمد يدها بالصداقة، وكان يقصد هنا الصداقات التي يختارها لا التي تُفرض عليه وعلى شعبه.
الفكرة من كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
طالما تمسكت الأمة بآمال القومية العربية وسعت في ذلك مساعي شتى، أصيبت على إثرها بخيبات أمل طاحنة كان آخرها سقوط الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، إلا أن الصحراء أخرجت من رجالها من اعتاد الزوابع والتقلبات فتحدى الواقع، ولم يمر عقد واحد بعد سقوط الوحدة المصرية السورية إلا وقد خطا أول خطوة حقيقية تجاه هدفه عام 1968م، حتى تم له الأمر عام 1971م وأعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن عبقرية الشيخ زايد لم تتوقف عند نجاحه في توحيد القبائل التي لم تَعتَدِ الخضوع لولي أمر، بل تبلورت عبقريته في الحفاظ على ذلك الاتحاد وتقويته دون سلب الحقوق، ومواكبة المستقبل دون التملص من التقاليد، والكثير من المتناقضات التي حققها وانفرد بها بين الحكام التقليديين.
ولعل معركة أكتوبر 1973م هي أول ما يفد إلى الذهن عند الحديث عن ذلك الرجل، إذ تجرأ بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تساند إسرائيل، وقال مقولته الشهيرة “ما دام الدم العربي يسيل في أرض المعركة، فليس النفط العربي أغلى من الدم العربي”.
على كلٍّ، يمكن القول إن كثيرين تمكنوا من صنع التاريخ، لكن الشيخ كان من القلائل الذين ألبسوه صبغة عربية وإسلامية، لذلك استغرق د. نبيل راغب ثلاث سنوات في كتابة هذا الكتاب، درس فيها الجوانب التاريخية والديمقراطية والاقتصادية والإنسانية التي مكنت هذا الرجل من وضع حجر الأساس لدولة ستصبح أهم وجهة اقتصادية للعالم في ما بعد مع تمسكها بهويتها الإسلامية.
مؤلف كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
نبيل راغب: (1940م – 2017م)كاتب وناقد ومترجم مصري، درس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعتي القاهرة ولانكستر بإنجلترا، عمل مستشارًا لوزارة الثقافة في مصر وأستاذًا زائرًا بجامعة إكستير بإنجلترا، له عدة مؤلفات تنوعت بين الرواية والنقد والفكر والفلسفة منها:
أدباء القرن العشرين.
دليل الناقد الأدبي.
دليل الناقد الفني.