السمنة خطيئة أخلاقية
السمنة خطيئة أخلاقية
يسعى نظام العافية لتحقيق نموذج الموظف المثالي صاحب القدرة الإنتاجية العالية، وهذا الهدف يتحقق بركن نظام العافية الأول وهو الصحة، إذ إن الأجساد الصحيّة أجساد منتجة، ومَن يصاب بالمرض تضعف قدرته على العمل، فأصبح من الضروري عليك تحسين صحتك في سبيل إعلاء قيمتك السوقية، وحتى لا تقع في براثن البطالة. ولقد وجدت الشركات أنها لو أجبرت موظفيها على العمل لوقت أكثر، فلن يأتي الأمر بثماره إذا كان لديهم نقص في الطاقة، ولأن الجسد واحتياجاته يمثلان عقبة أمام نظام العافية، طفقت الشركات تبتكر طرائق جديدة لتعزيز صحة موظفيها، فمثلًا للقضاء على آفة الجلوس التي باتت صفة سلبية، استُحدث اجتماع المشي، وتأثيث المكتب بمعدات المشي والدراجة المكتبية، حتى يمارس الموظفون التمارين في أثناء أداء واجباتهم، وطبق هذا النظام بعدّة شركات مثل جوجل ومايكروسوفت.
وقد نشر في مقال بمجلة (هارفارد للأعمال) أنه تم تعيين مدربي لياقة بدنية ليكونوا مستشارين إداريين، مهمتهم جعل أجساد الموظفين تصل إلى حالة الأداء المثالية من خلال تغيير نظامهم الغذائي وتناول 5 أو 6 وجبات في اليوم، وشرب الماء بانتظام، ورفع الأثقال مرتين في الأسبوع والحفاظ على التركيز الذهني والتنفس بعمق. وبالفعل هذه الأساليب تُعين الموظفين على التخلص من الخمول ليصبحوا منتجين أكثر، ولكن ليست هذه النتيجة الوحيدة، فهناك عدّة نتائج أخرى، أولاها: ترسيخ صورة العامل المثالي في نموذج ستاخانوف -أي مدمن العمل في روسيا السوفيتية- في ثوب العامل الرياضي مدمن التمرين، أما ثانية النتائج: فهي ذوبان نشاط التمرين في العمل، فأصبح العمل تمرينًا والتمرين شكلًا من أشكال العمل.
وإذا أخذنا جولة في وسائل الإعلام والمسلسلات التلفزيونية، سنجد أنها تقدم نمطًا يضع الشخصيات البدينة ذات الوزن الزائد من الطبقة العاملة المتدنية في قالب الأخلاق الفاسدة، والتيقن من ضعف إرادتهم واتخاذهم لقرارات سيئة، ويطلق على هذه الشخصيات لقب تهكمي (chav) ويعنى الشاب الفاشل المنتمي إلى الطبقة المتدنية، وهو يمثل الصورة المعاكسة لأصحاب نظام العافية والصورة التي يجب أن يتفاداها الإنسان المثالي. وتسمى هذه الظاهرة تلفزة البدانة، وتعتمد على تأجيج مشاعر الاشمئزاز كسياسة لتقييم سلوك الآخرين، وبخاصة الطبقة العاملة، إذ لا يهم مستوى فقرهم أو تعليمهم أو دخلهم، فينصب التركيز كله على طعامهم وملابسهم ودهونهم دلالةً على أخلاقهم. وبذلك صار تناول طبق من البطاطس إهانة للصحة وعلامة على التدهور الأخلاقي، وأما حل مشكلة الفقر الاجتماعية فهو مسؤولية الفقراء، ويعتمد على تحسينهم لأخلاقهم المعتمدة على صحتهم وأكلهم.
الفكرة من كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
في واقعنا المعاصر لم يعد يكفي أن تكون إنسانًا عاديًّا، بل يجب أن تصبح في طَور الإنسان الكامل الذي يتمتع بصحة جيدة وبوزن مثالي، ويفكر بشكل إيجابي دائمًا ولديه هوس دائم بالسعادة، وهذا الشكل من المثالية والكمال لا يسعى إليه إنسان العصر الحديث لنفسه، بل من أجل عدم التخلي عنه من قبل سوق العمل الذي لا يأبه إلا لزيادة الإنتاجية، ولأن من الصعب الوصول إلى الكمال المنشود، تقع في أسر الشعور بالذنب، فكيف يحدث ذلك؟ وما أثره في حياتك؟ هذا ما سنجده مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
كارل سيدرستروم: كاتب سويدي، وأستاذ مشارك في كلية ستوكهولم في قسم إدارة الأعمال، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة Lund، مهتم بدراسة مجالات تتعلق بالفلسفة والثقافة الغربية المعاصرة، بما في ذلك الفلسفة السياسية وفلسفة الحياة والعمل، كما قدم العديد من المساهمات في مجال البحث والنشر والمقالات للصحف والمجلات الأكاديمية مثل: The New York Times, The Guardian, The Atlantic and Harvard Business Review. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
The Happiness Fantasy
Desperately Seeking Self-Improvement: A Year Inside the Optimization Movement
أندريه سبايسر: كاتب نيوزيلندي، يعمل أستاذًا في كلية Cass Business بجامعة سيتي لندن، نشرت له كتابات في العديد من الصحف والمجلات مثل: Guardian, Financial Times, Times, Independent and CNN
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
Metaphors We Lead By: Understanding Leadership in the Real World
Unmasking the Entrepreneur
معلومات عن المُترجمين:
عبد المنعم المحجوب: باحث لغوي ومُفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب: ليبيا 2022 – 1911″، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
أنس المحجوب: شارك في ترجمة كتابي: (المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟) و(سجناء الجغرافيا).