السلوك هو مرآة الفكر حتى وإن كان وهمًا
السلوك هو مرآة الفكر حتى وإن كان وهمًا
إن تغيير ما بالنفس والفكر سواء بشكل إرادي أو غير إرادي، يتبعه تغيير أكيد في السلوك، فإذا رأينا ما يقوم به المسلمون مما يضرُّ مصالحهم ولا يوصلهم إلى غايتهم فإن أفكارهم عن كيفية الوصول خاطئة، ولنبيِّن كيف يتحكَّم الفكر بالسلوك، تَذَكر سحرة فرعون، وكيف أنهم حين قدموا لملاقاة موسى (عليه السلام)، قالوا: ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾، ثم بعد أن تغيَّرت أفكارهم حين رأوا الحق الذي جاء من عند الله، وتمكَّن من تغيير ما بأنفسهم، قالوا: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
إن الأفكار تحرك السلوك حتى وإن كان الفكر واهمًا، ففي القصة الخيالية لذلك العملاق الضخم الذي طاف في الآفاق ذكر قوته ومحاسنه، فسمع بذلك أحد العمالقة بقرية مجاورة، فأرسل إليه رسالة يدعوه بالقدوم إليه ليتعرَّف عليه، فرأى العملاق الضخم ذلك إهانة له، وردَّ عليه الرسالة بشدة، فأثار ذلك غضب عملاق القرية الأخرى، فخرج إليه يريد الشر به، وكان أضخم وأقوى منه، فلما سمع وقع صوت خطواته وكيف هزَّت القرية ارتعدت فرائصه، وخشي الهلاك، فقالت له امرأته: نَمْ على هذا السرير وتدثَّر بهذا اللحاف، فما إن وصل العملاق الآخر إلى البيت وجد امرأته فسألها عنه، فقالت: اخفض صوتك إنه ليس هنا، وهذا ابنه الصغير نائم على السرير إياك أن توقظه، فلما رأى ذلك: أسرَّ في نفسه قائلًا: هذا ابنه فكيف به! وولَّى هاربًا.
فهنا توهَّم فكرة ما، ولو أنه أمعن النظر وأخذ يبحث قليلًا لأدرك ما هو عليه من خطأ، ولكن فكرته الواهمة حرَّكت سلوكه، وخضع للقوة الأكبر المتوهَّمة.
نحن نريد أن نتحرَّر من الأوهام التي صنعناها بجهلنا وتخلُّفنا، وأن نفتح أبصارنا وأسماعنا للحق وسنن الكون، وألا نخشى عاقبة ذلك، فهو ليس أشد مما نحن فيه.
الفكرة من كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
في هذا الكتاب يبحث الكاتب القانون الإلهي “حتى يغيروا ما بأنفسهم” الذي ورد في سورتي الأنفال والرعد، ويعمل فكره ليكشف لنا ماهية سنة التغيير، وهل هي سنة تخصُّ المسلمين فقط؟ وكيف نصل إلى التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وكيف نتحرَّر من أوهام الأفكار التي صنعناها وجعلناها مقدَّسة؟
فكما يقول مالك بن نبي في تقديمه للكتاب: “إن الكاتب يحاول تخليص القارئ من الحتمية التي يقيِّدها به القانون”، فمثلًا الجاذبية الأرضية قانون حتمي، ولكن كيف طار الإنسان!
إن القانون لا يعني استحالة مطلقة ولكنه تحدٍّ بحاجة إلى استجابة، وهكذا التاريخ والمجتمعات وفعل التغيير فيها، ففكرة تغيير النفوس تجعلنا نتجاوز سببية وحتمية توينبي أو هرم الدولة عند ابن خلدون.
مؤلف كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
جودت سعيد هو مفكِّر سوري من مواليد عام 1931م بقرية بئر عجلان في الجولان السورية، يعتبر امتدادًا لفكر مالك بن نبي ومحمد إقبال.
سافر إلى مصر ليتعلَّم بالأزهر الشريف أتمَّ الثانوية العامة هناك، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرَّج فيها، والتقى مالك بن نبي في مصر وأعجب كثيرًا بأفكاره وتأثَّر بها.
يعدُّ جودت سعيد من دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي، لدرجة أنه سُمِّي بغاندي العرب، يحاول أن ينطلق من القرآن في دراساته، ويدعو إلى إعمال العقل، وإلى بحث المشتركات الإنسانية.
من مؤلفاته: “مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”، و”العمل قدرة وإرادة”، و”الإنسان حين يكون كلًّا وحين يكون عدلًا”، و”اقرأ باسم ربك الأكرم”، و”كن كابن آدم”، و”رياح التغيير”.