السلطان من لا يعرف السلطان
السلطان من لا يعرف السلطان
كذلك تكون الحرية من خواص هذا الدين، قد أعلاها النبي في بداية العصر الإسلامي، بدحره لطغيان الأباطرة، وإثباته لحقوق جميع بني آدم، ولا تتقيد هذه الحرية بشؤون الملك والسياسة، بل تضرب أينما أرادت، وتنصح بالقول والفعل، فتكون جرأة في وجه الباطل، وحدًّا للفساد. ومن حرص الدين على هذا المبدأ واستدامته، الحث الشديد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لو لم يكن هذا النهي ذا أثر ظاهر، فالإسلام يعده رفضًا للواقع الفاسد وتثبيتًا للحق وأهله، وتناصر المسلمين ضد الظلم الواقع على بعضهم هو وسيلة أخرى لحماية تلك الخواص والمبادئ من عدوان السياسة والملك عليها، فيكون أمر المسلمين وحريتهم إلى أنفسهم أولًا.
كان هذا قبل عصر الملك، ففي عهد النبي ﷺ والخلفاء الأربعة، رأى الناس الحياة التي وعدهم بها الإسلام، رأى المسلمون حكامهم يسألونهم المشورة، ويتوقعون منهم تصويب الخطأ وتقويم عوجهم، وانحسرت العصبية الجاهلية فلم يسمحوا لأي بيت أن يتعاظم على آخر بنسب أو شرف قديم، رأوا حكامهم فقهاء عبادًا لا يحتجبون عنهم ولا يمنعونهم أموالهم، ولما رأوا حقوقهم قد سيقت إليهم، رضوا بما عليهم من واجب، ولكن عندما اتسعت دعوة الإسلام وتبدل الناس، انقلب هذا الواقع إلى نقيضه في الحال، وقد قدر بعض معاصري هذا الانقلاب، من الرشاد إلى الملك المستبد، بأنه مجرد نزوة سرعان ما ستمر في تاريخ الأمة، وليست بداية لتاريخ دائم من التعسف والظلم يجب هدم أركانه من بدايته، فلم يروا أثر تلك الحقبة في ما تلاها، وتأسيسها لطرق في الحكم لم يقرها الإسلام بل ذمها على الإطلاق، غير أن الدعوة الإسلامية أكملت إلى غايتها غير عابئة بإرادة السياسة، فانصرف بعض الأئمة عن السلطان، عصمة للدماء وصونًا لذمتهم، ولبذل جهودهم في تلك الساحات التي لا يتنافس عليها أحد.
الفكرة من كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
ليست ظاهرة الاستبداد بالحدث الطارئ في التاريخ الإسلامي، فقد اختبر المسلمون الحكام المستبدين أكثر من أي نوع آخر، وأحدث هؤلاء الحكام العديد من الأفعال التي صارت بعدهم قوانين تطغى على الدين وتهمل وصايا النبي ﷺ، وقد زاد الاستعمار الحديث الأمر وبالًا، فاختلط الأمر على القوم، وظنوا أن منبع هذا الاستبداد من الدين نفسه، لادعاء هؤلاء الحكام خلافته في الأرض.
هنا يحاول الشيخ أن يرد الأمر إلى حقيقته، ويبين موقف الدين تجاه هذه النماذج، وكيف تعامل معها المسلمون طوال تاريخهم.
مؤلف كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
محمد الغزالي: داعية ومفكر إسلامي، وأحد أشهر الدعاة في العصر الحديث، ولد في إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عام 1917 م، ختم القرآن بكتاب قريته في العاشرة من عمره، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل على درجة العالمية وهو في السادسة والعشرين، درس في العديد من الجامعات الإسلامية، كجامعة الأمير عبد القادر في الجزائر، وجامعة أم القرى في مكة، توفي عام 1996 م في المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات الهامة؛ منها:
الإسلام والمناهج الاشتراكية.
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.
فقه السيرة.