السعادة والسرور
السعادة والسرور
السعادة لا تكمن -كما يظن كثيرون- في راحة البال، والأمن من الكوارث، وإشباع حاجات النفس من مأكل ومشرب وملبس ومسكن فارِهٍ وممتلكات جديدة براقة، هذه السعادة هي السعادة الحسية التي يرهق فيها الإنسان نفسه بالاستزادة من الشهوات والمسرات، ولكنه في العمق تكون حياته عبارة عن ذهول وخمود وتبلد، بينما الحياة السعيدة الحقة هي التي نزداد فيها حدة ويقظة للأزمات والهموم الموجودة حولنا، لندرك أن هناك أمورًا أكبر وأهم من مشكلاتنا تستحق أن نتعلم عنها ونفهمها ونشارك في حلها.
ومن الأمور التي ستساعدنا على التمييز بين السعادة الحقيقية والسعادة الحسية الزائفة، التمييزُ بين كلمتي السعادة والسرور، فالسعادة تعني السلام النفسي، بينما السرور يعني اللذة والاستزادة، فالأولى معنوية إذ نسعد بالفكر والإيمان والأمل، أما الثانية فمادية، تكلفنا أحيانًا ما لا نطيق من المال والجهد، لأننا نستلذ بالمال والطعام والشهوات ونطالب بالاستزادة منهم كلما خبرناهم، وتلك المسرات عائدة إلى الجسد، فكلما تَشَبَّع بها مَالَ إلى الخمول والذهول وعيش الحياة المخمودة، بينما السعادة عائدة إلى الفكر والوجدان، يصل إليها صاحبها بالمعارف العلمية وتذوق الفنون، فيتكون عنده أمل ورؤيا وإيمان بالمستقبل، مما يدفعه إلى الحركة والعمل، إذ إن السعادة هي التي تعطي لصاحبها دفعة من الطاقة النفسية يحتاج إلى التنفيس عنها بالحركة تجاه هدفه، ليحقق تلك الرؤيا وذلك الأمل الذي صار يملأ وجدانه.
الفكرة من كتاب فن الحياة
الإنسان يشبه الحيوان من الناحية البيولوجية، فكلاهما يأكل ويشرب ويتناسل، ولكن الإنسان يمتاز من الحيوان بعقله الذي يستطيع أن يسلطه على غريزته فيكبحها ويسيطر على كيفية تدفقها، بينما الحيوان تحركه غريزته دون وعي منه، وبكبح غريزته تمكن الإنسان من توجيه عقله إلى صنع الثقافة والفنون والأدب والحضارة، محولًا بهم المألوف من الطبيعة إلى شكل من أشكال الجمال نستلذ به ونزداد به استمتاعًا بالحياة.
وبالرغم من ذلك فما زال هناك عديد من الناس الذين يعيشون على الضرورات البيولوجية فقط، منساقين وراء مواريث وقيم المجتمع بشكل قائم على الغريزة والعاطفة، فهم يأكلون ويشربون ويشترون الملبس، ويستزيدون من الأموال معتقدين أنهم هكذا يعيشون حياتهم سعداء، ولكنها سعادة كاذبة تجعل أصحابها ذاهلين خاملين يكتفون بالعيش على سطح الحياة دون أن يعيشوا عمقها، دون أن يستعملوا فكرهم وعقلهم ليصلوا إلى السعادة الحقيقية التي لا تخضع لمعايير المجتمع وسعادته الزائفة.
مؤلف كتاب فن الحياة
سلامة موسى: صحفي مصري ولد عام 1887م في محافظة الشرقية، سافر إلى فرنسا وقضى فيها ثلاث سنوات التقى فيها بعديد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، ثم انتقل بعدها إلى إنجلترا وقضى فيها أربع سنوات يدرس الحقوق ويقرأ مؤلفات الاشتراكيين مثل كارل ماركس وغيره، وعندما عاد إلى مصر كان رائد الحركة الاشتراكية وصاحب أول كتاب عن الاشتراكية في الوطن العربي، وأصدر كلًّا من مجلة المستقبل والمجلة الجديدة، وتولى رئاسة مجلة الهلال لمدة ست سنوات، وشارك في تأسيس الحزب الاشتراكي المصري، وتُوُفِّيَ سنة 1958 عن عمر يناهز واحدًا وسبعين عامًا، تاركًا خلفه عديدًا من المؤلفات مثل:
أحاديث إلى الشباب.
الشخصية الناجعة.
الأدب والحياة.