السجود خضوعٌ كليٌّ
السجود خضوعٌ كليٌّ
بعدما تقوم ابتداءً وبعدما تُخضع عقلك وتمهد نفسك للاستسلام الكلي في الركوع، حان الآن دور هيئة الخضوع الكامل الذي يظهره الإنسان لخالقه، والسجود من الناحية اللغوية هو انحناء الرأس، ولكنه انحناء أكبر من الركوع، أساسه وضع الجبهة على الأرض، وهذا لا يتحقق إلا باستناد اليدين والركبتين والقدمين وبهذا تتحقق هيئة السجود، وقد أخبر القرآن أن ما في السموات والأرض يخضع لله رب العالمين طوعًا أو كرهًا، أي بلا إرادة، أما الإنسان فشأنه مختلف، فهو يسجد لأنه يرغب في ذلك ويريد ذلك، فسجوده وهو حي يمشي على الأرض يفعله بحريته، أما في السماء فستأتي لحظة يود الإنسان أن ينزل بجسده ويسجد لله لكنه لن يتمكن من ذلك، كما بيَّنت الآية: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾.
كان أول أمر بالسجود فيما نعلم هو أمر الملائكة أن تسجد لآدم وهو في السماء، وبعدها نزل آدم إلى الأرض، وصار مستخلفًا فيها، ومأمورًا بالسجود وهو عليها، فالاستخلاف يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسجود، وقد ذُكر السجود كآية في الرؤية التي رآها وحكاها يوسف لأبيه يعقوب (عليهما السلام) في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ﴾، وقد كان هذا السجود هو الخطوة الأولى في سلسلة من المراحل التي مر بها نبي الله يوسف إلى أن صار ممكَّنًا في الأرض.
إن السجود هو الطريق لفتح الأبواب المؤصَدَة، والوسيلة للتمكين في الأرض، وهو ما قيل لبني إسرائيل: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾، فالدخول والفتح لا ينفكان عن السجود، وقد وعد الله عز وجل أمة النبي محمد (ﷺ) بالتمكين، وقد ارتبط التمكين هنا أيضًا بالصلاة في قوله: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾.
الفكرة من كتاب فيزياء المعاني.. هيئات الصلاة: نمط عمارة لبناء الإنسان
يقول رسول الله (ﷺ): “ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ”.
في هذا الكتاب؛ يعرض أحمد خيري العمري هيئات الصلاة من قيام وركوع وسجود، موضحًا المعاني الكامنة حول تلك الهيئات، وأنه لا ينبغي أن يقتصر المرء على القيام بالحركات والأوضاع دون فهم المعاني المرتبطة بتلك الحركات والمغزى من ورائها.
مؤلف كتاب فيزياء المعاني.. هيئات الصلاة: نمط عمارة لبناء الإنسان
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي، اشتهر بكتاباته في مجال النهضة الإسلامية، وتم تصنيفه -وفقًا لأحد مراكز الدراسات السويسرية- ضمن قائمة تحوي 100 من المؤثرين في صناعة الرأي عربيًّا، وذلك في عام 2017.
له من الإنتاج الثقافي الكثير منذ بدأ الكتابة والنشر، يتراوح بين ثلاثة عشر كتابًا وثلاث روايات وثلاثة برامج متلفزة، حيث احتلَّت الكتب النصيب الأكبر والانتشار الأوسع، ومنها:
البوصلة القرآنية.
عالم جديد ممكن.
الذين لم يولدوا بعد.
المهمة غير المستحيلة.
لا نأسف على الإزعاج.