السادات وتولي السلطة
السادات وتولي السلطة
حدث فراغ هائل بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وأخذت قوى عديدة تتكلم عمن سيخلفه؟ وقد تحدث بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا على قيد الحياة عن ضرورة عودة المجلس، وهو ما رفضه السادات، كما رفضه رجال عبد الناصر الذين كانوا يسيطرون على مواقع السلطة، وقد رجَّح البعض تولي السادات السلطة على أساس أنه ضعيف، والعجيب في هذا الأمر أن التغيرات الجذرية على مدار التاريخ تتبع نفس الأسلوب والفكر، فقد اختير خروشوف رئيسًا للاتحاد السوفييتي على أساس أنه ضعيف ويمكن السيطرة عليه، كما اختير النحاس باشا خلفًا لسعد زغلول لنفس السبب! وسارت الأمور بشكل هادئ في الفترة التي كان فيها السادات قائمًا بأعمال الرئيس، إلى أن تم انتخابه رئيسًا للجمهورية، ثم قام السادات بعد ذلك بما قام به في 15 مايو بالقبض على رجال عبد الناصر ووضعهم في السجن، وقد طلب مني جروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفييتي توضيحًا لما حدث، فقلتُ له: إن يسار الثورة قد ضُرب، وإن يمين الثورة هو الذي يُسيطر الآن، ولا يوجد ما يدعو إلى الانزعاج الشديد مما حدث.
إلا أن القيادة السوفييتية شعرت ببلبلة فكرية وعدم وضوح في الرؤية ما دفع رئيس الاتحاد السوفييتي بادجورني إلى زيارة القاهرة والاجتماع بالسادات، وأبلغ السادات أنه يريد توقيع معاهدة صداقة مع مصر، وأنه لن يعود من دونها، وقد وقَّع السادات عليها، وقد ترتب عليها ردود فعل سلبية بين الشعب المصري، وانتهت مهمتي في موسكو في أكتوبر عام 1971 بعد عشر سنوات قضيتها سفيرًا لمصر، وعندما قابلتُ الرئيس اليوغسلافي تيتو عام 1972، قُلتُ له لم أفهم إصرار السوفيت على توقيع هذه المعاهدة، فضحك وقال لي: إن السوفييت لا يثقون إلا في بوماجا، ورقة أو وثيقة، ففهمت أنهم روتينيون لا يتعاملون مع أحد إلا بورق مكتوب.
وهنا لا بد من الإشادة بالمساعدات التي قدمها الاتحاد السوفييتي لمصر، فقد قام بتسليحنا في أربع حروب وعلى رأسها حرب أكتوبر 1973، كما قدَّم لنا قروضًا تقدر قيمتها الآن بـ 25 مليار دولار على الأقل، كما ساعدنا على بناء السد العالي، وبناء خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، وإقامة العشرات من المصانع وفي مقدمتها مصنع الحديد والصلب في حلوان، والترسانة البحرية في الإسكندرية، ومصانع الكيماويات في أبو زعبل، ومصنع الألومنيوم بنجع حمادي، ومصنع الكوك في حلوان، واستصلاح 250 ألف فدان بمحطات عملاقة لرفع المياه، وغيرها الكثير.
الفكرة من كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
يذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته التي بين أيدينا العديد من الأحداث والمواقف التي شهدها وعايشها خلال توليه العديد من المناصب الهامة في الدولة المصرية خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات.
مؤلف كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
مراد غالب: هو طبيب مصري، تخرج في كلية الطب، وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل أستاذًا للأنف والأذن والحنجرة بجامعة الإسكندرية، كانت له علاقة صداقة قوية بعددٍ من الضباط الأحرار، وكانت له أنشطة وطنية قبل ثورة 23 يوليو، وقد أقنعه الرئيس جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي، عمل في العديد من المناصب، أهمها، العمل سكرتيرًا ثالثًا للسفارة المصرية بموسكو بالاتحاد السوفيتي، ثم مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية، ثم سفيرًا لمصر بالكونجو، ثم سفيرًا لمصر بموسكو منذ عام 1961 إلى عام 1971، وفي عهد الرئيس السادات شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للإعلام، ثم وزيرًا للوحدة بين مصر وليبيا، ثم سفيرًا لمصر بيوغسلافيا، وفي نوفمبر عام 1977 قدَّم استقالته احتجاجًا على زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه معاهدة السلام، وفي عام 1988 انتخب رئيسًا لمنظمة الشعوب الأفروأسيوية وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2007.
لعب دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات وتقويتها بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقد حصل على وسام (بطل العمل الاشتراكي) وهو أحد أرفع الأوسمة بالاتحاد السوفييتي.