الروح الزنجية
الروح الزنجية
يعتز فانون كثيرًا بأدب إيميه سيزير الشاعر والكاتب والسياسي الفرنسي، ويراه تعبيرًا عن روح الكبرياء السوداء وتمثيلًا للقيم والعواطف التاريخية المكونة للروح الزنجية التي كانت صرخة الضمير الأولى في عالم أبيض، وبخاصة في أثناء الاحتلال الأمريكي لجزيرة هايتي في البحر الكاريبي؛ وكانت إحياءً للتراث الإفريقي وبعثًا للثقافة المحلية بكل أشكالها، ثم انتقلت إلى باريس على يد سيزير وسيدار وليون داماسي، لكن كانت تلك الروح بمعزل عن القارة السمراء؛ مما جعل دعواها لتنال الجماهير السوداء حريتها دعوة ميتة، والأنكى أنها ظلت تطوف حول نفسها مع أننا لم نسمع عن مذهب أدبي يخص الجنس الأبيض.
وعى ذلك صاحبنا فانون بعد تمحيص فلم ينجرف عاطفيًّا وراء الصورة التي رسمها سنغور وغيره للرجل الزنجي الذي يُذيب ذاته في العالم ولا تقوم الدنيا بدونه، في الوقت الذي يتمايز فيه الأوروبي عن الطبيعة ليتمكن من السيطرة عليها، ويصر “فانون” على الاتجاه العقلاني تجاه مصير الإنسان وأن عليه ألا يركن للإيقاع الموسيقي، ويرفض أن يرهن حياته لإحياء حضارة زنجية غير معترَف بها؛ ونجده يميل إلى رأي ماركس بأنه لا يمكن لثورة اجتماعية أن تستمد أشعارها من الماضي، وأن من ينظر إلى المستقبل وحده لن يُستعبَد.
ولا يكتفي “فانون” برفض الروح الزنجية وحسب، بل لا يرغب في اعتبار السود “خوارج” عن الثقافات العالمية بكل أشكالها، وينسب إلى الزنوج ثقافات قومية مميزة؛ فالزنوج الفرنسيون جزء من ثقافة فرنسا وزنوج بريطانيا جزء من ثقافة الأنجلوساكسون؛ حتى إن الزنجي الأمريكي البراجماتي لا يفهم الزنجي الفرنسي والإنجليزي المنطقي الديكارتي.
ويقسم “فانون” الكتابة المحلية في المستعمرات إلى مرحلة الانصهار التام في ثقافة المستعمِر وتقليده في كل شيء، ثم محاولة العودة إلى الجذور الأصلية فيجدها مقطوعة بسبب الثقافة الأوروبية للكاتب المحلي، فيلجأ إلى الأساطير الشعبية والفنون الغريبة قبل أن يصل إلى مرحلة النضج وهو الأدب الثوري المكافح، لكن مؤلف الكتاب يتهم فانون بأن تراثه الفلسفي العقلاني وبعده عن واقع القارة الإفريقية ولَّدا نظرة تجريدية تجاهلت العوامل المتغيرة للتطوُّر الإفريقي.
الفكرة من كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
إنَّ سيرة فرانز فانون تثير الإعجاب والدهشة، لأنها معروفة لدى الأوروبيين أكثر من سكان العالم الثالث والسُّود الذين تبنى “فانون” مشكلاتهم وناضل لأجلهم، وتبعث سيرته على الألم، لأن الاستعباد والتمييز اللذين حاربهما ما زالا ضاربين بجذورهما في ذلك العالم وإن تحورت أشكال العبودية قليلًا.
في هذا الكتاب يعرض لنا الكاتب والمؤرخ ديفيد كوت سيرة الطبيب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي فرانز فانون، الذي عُرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية.
مؤلف كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
ديفيد كوت (David caute): مؤرخ وروائي وصحفي بريطاني، وُلد في الإسكندرية عام 1936، ودرس في أكاديمية إدنبره ثم كلية سانت أنتوني في أكسفورد، شغل “كوت” مناصب أكاديمية عدة وعمل أستاذًا زائرًا في جامعات كولومبيا ونيويورك، ورئيسًا مشاركًا لنقابة الكتاب في بريطانيا العظمى، وزميلًا في الجمعية الملكية للأدب.
من أبرز مؤلفاته:
The Essential Writings of Karl Marx
Under the Skin (The Death of White Rhodesia)
Isaac and Isaiah: The Covert Punishment of a Cold War Heretic
معلومات عن المترجم:
عدنان كيَّالي: كاتب ومترجم، له عدد من المقالات والتراجم منها: موسوعة العناية بالطفل.