الرفق بالحيوان
الرفق بالحيوان
إن أول ما أعلنته مبادئ حضارتنا في مجال الرفق بالحيوان أن تقرَّر أن عالم الحيوان كعالم الإنسان له خصائصه وطباعه وشعوره، فقد كفل هذا الدين له حق الرفق والرحمة، بل جعل الرحمة به سببًا لدخول الجنة، كما قرر أن القسوة على الحيوان تدخل النار، فجاءت النصوص الشرعية تحرم المكث طويلًا على ظهره، وتحرم تجويعه، كما تحرم إرهاقه بالعمل فوق ما يتحمَّل، إلى غير ذلك من الأحكام، أما إذا كان الحيوان مما يؤكل، فمن الرحمة به أن تحد الشفرة ويسقى الماء ويراح بعد الذبح قبل السلخ، بل قد قرر الفقهاء المسلمون من أحكام الرحمة بالحيوان أبعد من هذا، فهم يقرِّرون أن النفقة على الحيوان واجبة على مالكه، فإذا امتنع أجبر على بيعه أو الإنفاق عليه أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه، ولعلَّ من الطريف هنا أن نذكر بعضًا من شرائع الأمم السابقة في معاملة الحيوان، ففي شرائع اليهود على سبيل المثال، إذا نطح ثور رجلًا أو امرأة وأفضى ذلك إلى موت النطيح وجب رجم الثور وحرم أكل لحمه، وعند قدماء اليونان كانت عندهم محكمة خاصة لمحاكمة الحيوانات المتسبِّبة في هلاك إنسان، وفي شرائع اليهود؛ نعم ليست هذه دعابة سمجة، بل هكذا كان حال القوم، فإذا قارنَّا بين موقف حضارتنا من الحيوان وموقف غيرنا من الأمم يتضح لنا أن حضارتنا كانت سباقة في مجال الرفق بالحيوان، إذ نادت برفع المسؤولية الجنائية عنه قبل ثلاثة عشر قرنًا من مناداة الحضارة الحديثة بذلك.
الفكرة من كتاب من روائع حضارتنا
في هذا الكتاب يعرض المؤلف نماذج رائعة، وصورًا مشرقة لبعض روائع حضارتنا الإسلامية، وما امتازت به عن سائر الحضارات قاطبة، فما أسباب تميُّزها وقيامها وكيف كانت أخلاقنا الحربية؟ كالرفق بالحيوان، والمؤسسات الخيرية، والمكتبات والصروح العلمية، والعواصم والمدن الكبرى، فلننظر ولنتأمَّل في هذه الروائع عسى أن يخطَّ الجيل الجديد من أبناء هذه الأمة صفحات مشرقة في التاريخ، وأن يبعث الله في هذه الأمة من يجدِّد لها دينها وحضارتها.
مؤلف كتاب من روائع حضارتنا
الشيخ الدكتور مصطفى حسني السباعي: ولد في مدينة حمص بسوريا عام 1915، وقد نشأ في أسرة علمية واشتهر والده وأجداده بالخطابة في جامع حمص، تأثر بوالده الشيخ حسني السباعي الذي كانت له مواقف معروفة ضد الاستعمار الفرنسي، درس في الأزهر بمصر عام 1933، من مؤلفاته: “السنة ومكانتها في التشريع”، و”اشتراكية الإسلام”، و”عظماؤنا في التاريخ”، وغيرها من الكتب التي تجمع بين إقناع العقل وإمتاع القلب.