الرسول المعلم
الرسول المعلم
كلما علا التشريف علا التكليف، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشرف معلم حاملًا أشرف رسالة، وقد دلَّ على هذا عدة مصادر أولها الآيات القرآنيَّة التي ذكر فيها رب العزَّة (جل وعلا) كون الرسول (صلى الله عليه وسلم) معلِّمًا للناس والبشرية على الرغم من كونهِ (صلى الله عليه وسلَّم) أميًّا تربَّى في بيئة صحراوية، فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ﴾.
ثم الأحاديث النبوية التي دلت على نفسِ المعنى، فتارةً قالها (صلى الله عليه وسلم) عن نفسه صريحة “إنما بعثت معلمًا”، ومنها ما استدلَّت عليه الأفهام كما حدث حين شمَّت أحد صحابته (رضوان الله عليهم) عاطسًا وهو يصلي جاهلًا بالحكم الفقهي في ذلك، فعلَّمه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) برحمة وحكمة، وبيَّن له أن الصلاة لا يكون فيها إلا التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
ثم بتقرير التاريخ وشهادته بكمال شخصيَّة الرسول (صلى الله عليه وسلَّم) التعليميَّة، ويتجلَّى هذا في نظرة إلى حال البشرية قبل وبعد بعثة النبي (صلى الله عليه وسلَّم) فعبرت من غياباتِ الجهلِ إلى رياضِ العلم، وأيضًا في حال صحابته وتابعيهم (رضوان الله عليهم)، فلا يوجد معلِّم تربَّى على يديه جيل أهدى ولا أوفر من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد حذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صحابته من الجهل ومن الفتور في التعليم والتعلُّم، ومن عاقبة تركهم لتفقيههم بعضهم وعلمهم بالجهل والمنكر وهم صامتون، وقد استخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مبدأ التعليم الجماعي المستنفر، أي جعل العلم شيئًا تبادليًّا بين الفرد المسلم وأخيه حتى يسرِّع ذلك من العملية التعليمية وتترفَّع نفوسهم عن لفظ الحق من أيٍّ من كان، وهنا تجلَّت أهميَّة تشريع الله (عز وجل) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حتى لا يُرفع العلم بالشريعة من نفوس المسلمين، ولا فرق في هذا بين ذكر أو أنثى، فلا يقبل الجهل في شريعة الإسلام لأحدهما على حدٍّ سواء.
الفكرة من كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
هذا الكتاب إسهاب لمحاضرةٍ أُلقيت في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بالرياض بالمملكة العربية السعوديَّة، ونتج عنها كتاب باسم “الرسول المعلم وأساليبه في التعليم”، وهو وصف وتفنيد للفكرة المعنيَّة، أي كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) معلمًا في قوله وفعله، وحتى في صمتهِ، على هيئة أحاديث وآثار من حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منتقاة من الكتب الستة، واحتوى في طيَّاته الكثير من الأفكار التي تصلح أن تكون منارةً لكل مُعلِّم في إبانةٍ وتفصيل.
أما عن سبب التأليف فهو لصلة هذا الموضوع بالعلم والعلماء والتعلم والمتعلمين، وقد خرج هذا الكتاب إلى النور متأخرًا بسبب انتظار الكمال وتمام العِلم، وهذا مما لا يكون.
مؤلف كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
عبد الفتَّاح بن محمَّد بن بشير أبو غدَّة: سوري من مواليد حلب عام 1917م، درس في كلية الشريعة جامعة الأزهر بمصر، كما درس تخصُّص أصول التدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعمل مدرسًا في جامعة الإمام محمَّد بن سعود في السعوديَّة، وله أكثر من سبعين مؤلفًا أكثرها يدور في فلك أصول الحديث منها: “من أدب الإسلام”، و”صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل”، وتوفي عام 1997م عن عمر يناهز الثمانين.