الرسائل الخفية
الرسائل الخفية
هناك ثلاثة أشكال من الرسائل الخفية التي تستغل قوة الصورة لتحقيق أهداف مرسليها؛ الأولى الومضات الخاطفة التي تنفذ إلى العقل الباطن (اللاوعي) بطريقة لا تلاحظها العين المجردة، وهذا ما توصل إليه الدكتور (جوهان كارمنس) في تجربة أجراها ولكن هذا التأثير الخفي يشترط فيه التوافق مع ظروف المتلقي، فلو رغبت في عرض إعلان يدعو لشراء مشروب معين ولم يكن الشخص يشعر بالعطش فلن يشتري الشراب الذي تعلن عنه، بينما تنجح رسالتك إذا كان يعاني العطش فعلًا.
الثانية يمكن أن تكتشف بالعين المجردة لكن تستغل تركُّز مجال العقل الواعي في نقاط محددة لتمرير صور أخرى للعقل اللاواعي، أي إنها رسائل تتطلَّب التركيز، وهي تنتشر بكثرة في الأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو والإعلانات التجارية، وهذا لأن العقل الواعي لا يلاحظ إلا ما يشد انتباهه بخلاف اللاواعي الذي يسجل كل ما يمر عليه، لذا يمرِّر المعلنون وصانعو الأفلام رسائلهم الخفية في مواضع لا تلفت الانتباه ليلتقطها العقل اللاواعي ويحتفظ بها ويألفها مع مرور الزمن.
وقد تنبأ المؤلف (ألدوس هكسلي) المتوفَّى عام 1936 بأنه سيأتي يوم يمكن فيه إقناع الناس باختيار مرشَّح ما في الانتخابات دون أن يشعروا بما تعرَّضوا له من دعاية وتوجيه، ولعل اتهام مؤسس فيس بوك بهذا مؤخرًا ومحاكمته يظهر تحقُّق هذه النبوءة، والرسالة الثالثة قد يلاحظها العقل الواعي لكن تتدثَّر بغطاء الرمزية أو توظِّف خصائص الإدراك البصري لتترك انطباعًا نفسيًّا معينًا، ولكنها تتطلَّب تدريبًا أكبر على الملاحظة وفهم أعمق خصائص الإدراك البصري ونظرية الأشكال والألوان فضلًا عما تحمله الرموز من معان.
فهوليود مثلًا تقوم بتنميط صورة الإسلام والمسلمين وعرضها في سياقات محددة لتوصيل الرسائل التي يرغبونها، ففي أحد الأفلام بعد أن يقتل فريق مكتب التحقيقات الفدرالية الموفد إلى السعودية عشرات الإرهابيين، ينظر القائد إلى فريقه للاطمئنان عليه من خلال فتحة في السقف تؤدي إلى مخبأ العصابة ويتصادف وجود لوحة تحمل اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) بحيث تُرى من زاوية ضيقة، وغيرها من الأمثلة التي تربط الإسلام لاشعوريًّا بالإرهاب والتطرف.
الفكرة من كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
“إذا كانت الصورة هي الوسيلة الأقوى للطغيان والإفساد في عصور الأمية، فشيوع القراءة والعلم لم يغير الكثير في عصرنا الذي أُطلق عليه اسم “عصر الصورة”، وكأن تطور العلم كان سببًا في تطور توظيف الصورة لتحقيق الأهداف ذاتها، بدلًا من تحرير الإنسان من عبوديته”.
يبحث هذا الكتاب في تاريخ الصورة وأنواعها والفرق بينها وبين الكتابة وطرق التلاعب بها والتأثير في الناس من خلالها، ويهدف إلى توعية المتلقي بخطرها ووسائل استغلالها، وفتح الباب لفهم آليات توظيفها في الخير.
مؤلف كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
أحمد دعدوش: كاتب وباحث وإعلامي، من مواليد 1979م، حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد ودبلوم العلاقات الاقتصادية الدولية وليسانس في العقيدة والفلسفة، إضافةً إلى دورات في الإعلام والإخراج التلفزيوني من مراكز دولية.
أعد وأخرج العديد من البرامج والأفلام الوثائقية، وصدر له كتاب “ضريبة هوليود” و”المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام” و”مشكلة الزمن: من الفلسفة إلى العلم”، وله عشرات الأبحاث والمقالات والتحقيقات المنشورة ورقيًّا وإلكترونيًّا.