الرحلة في العصر الحديث
الرحلة في العصر الحديث
زاد اهتمام أوروبا بالشرق في عصر النهضة الذي يبدأ بسقوط بيزنطة عام ١٤٥٣، وقد دفعت التطورات العلمية والثقافية وروح التوسُّع العسكري إلى الرغبة في السيطرة على طرق التجارة البرية والبحرية وإنشاء قواعد اقتصادية وعسكرية؛ فكان لهذا أكبر الأثر في النمو الهائل لعدد الرحلات الأوروبية تجاه العالَمين القديم والجديد، وصارت الرحلة جزءًا من مصالح القوى الأوروبية المتطلعة، ثم اكتست أغراض الرحلة في عصر التنوير بطابع علمي وتهذيبي لم يستمر بسبب مطامع البورجوازية الغربية، ويمكن اعتبار القرن الثامن عشر هو عصر الباحثين عن المعرفة بحق، وتميزت كتابات الرحالة فيه بالموضوعية والصدق فيما سُمِّي بـ”التحقيقات العلمية”، حتى قيل إن كتاب “وصف مصر” الذي أنتجته الحملة الفرنسية هو جهد ثلاثة قرون كاملة!
تظاهر معظم الرحالة الأوروبيين بالإسلام وشاركوا المسلمين في أداء شعائر الصلاة والصيام ومنهم من حفظ القرآن مجوَّدًا، ويُستثنى من هؤلاء “بوركهارت” الذي يبدو مخلصًا في إسلامه وأوصى بدفنه في مقابر المسلمين.. وداوتي الذي لم يتنصَّل من المسيحية رغم ما تعرَّض له من مضايقات، وشهد القرن التاسع عشر أول بعثة أمريكية إلى جزيرة العرب، وكان رحالة أمريكا سذَّجًا مقارنةً بخبرة الرحالة الأوروبيين، وتوسَّعت الرحلات أكثر في القرن العشرين توازيًا مع توسُّع المصالح والأنشطة الأوروبية في بلاد المشرق العربي، وبرز فيه دور النساء كالكونتيسة “مالميجانتي” و”ليدي إيفلن كوبولد” التي ادَّعت بأنها أول أوروبية تحج إلى مكة! وممن زار الشرق من الغربيين كاسبارو بالبي وأنتوني شيرلي في القرن السادس عشر، وجان باتيست في القرن السابع عشر، وبول لوكس في القرن الثامن عشر، وألفونسن دي لامارتين، وجون ماكدونالد في القرن التاسع عشر، وبيرترام توماس، وتشارلز بروكسي في القرن العشرين.
الفكرة من كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
يقول ابن خلدون: “فالرحلة لا بد منها في طلب العلم ولاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال”، وكتابات الرحالة ذاكرة تاريخية مهمة وإن كانت لا تُصنَّف ضمن كتب التاريخ لكنها حوت معلوماتٍ مفيدة للغاية لدارس التاريخ لأن الرحالة يدوِّن الأحداث التي استهوته خلال الرحلة ويصف المعالم والآثار التي شاهدها ويحلِّل عادات وتقاليد القوم الذين عاينهم ويرسم أنماط حياتهم الاجتماعية والسياسية، ما يقلُّ الالتفات إليه من جانب المؤرخين المعنيين بتسجيل الأحداث الكبيرة وسير العظماء.
مؤلف كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
الدكتور علي عفيفي غازي: ولد في ١٥ فبراير ١٩٧٩، وحصل على ليسانس الآداب في التاريخ من جامعة الإسكندرية ثم شهادة الماجستير في الآداب من قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكان موضوع رسالته للدكتوراه “رؤية الرحالة لقيم وعادات عشائر العراق (١٨٠٠ – ١٩٥٨)”، وعمل مديرًا لمكاتب جريدة “الشرق العربي” بجمهورية مصر العربية منذ يناير ٢٠٠٧ ومشرفًا عامًّا على جريدة “أخبار كفر الشيخ”، وهو عضو بالجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
أبرز مؤلفاته:
– رؤية الرحالة للمرأة البدوية في العراق والجزيرة العربية.
– الخط العربي في كتابات الرحالة الغربيين.
– الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي.