الرجل الذي حسب زوجته قبعة
الرجل الذي حسب زوجته قبعة
رفيقنا الدكتور “بي” الذي يرى العالم كسيمفونية تخترق جميع الزوايا والأركان وحالته المرضية هي عمه بصري حاد، وهو ضعف في إدراك الأشياء في نطاق الإبصار، ولا يحدث هذا الضعف نتيجة عيب في الرؤية أو اللغة أو الذاكرة أو انخفاض مستوى الذكاء.
يشرح لنا الدكتور ساكس أن الدكتور “بي” كان يعاني عمهًا بصريًّا يورثه عدم القدرة على تمييز الأشياء؛ لذلك فعندما أراد أن يرتدي قبعته بعد انتهاء الفحص، مدَّ يده وأمسك برأس زوجته، وحاول أن يرفعه ليضعه على رأسه، بدا جليًّا أنه قد حسب زوجته قبعة! أما زوجته فقد بدا أنها معتادة مثل تلك الأمور، ومن هنا جاء اسم الكتاب “الرجل الذي حسب زوجته قبعة”!
ماذا يمكن أن تفعل حين ترى شخصًا يتحدث مع جدار أو قبعة ويعتقد بأنه إنسان؟ قد لا يبدو هذا معقولًا بالنسبة لك، ولكن هذا قد يكون نتيجة لاضطراب عقلي.
فقد كان الدكتور “بي” فاقد القدرة على تمييز العالم من حوله، وقد ظهرت أولى مشاكله مع طلبته، فإذا أتى إليه بعض طلابه لا يستطيع التعرف عليهم، أو أنه لا يتعرف على وجه الطالب بالتحديد، ولكن حينما يبدأ بالحديث معه يتعرف عليه من خلال صوته، ويهتف صارخًا: “ذاك كارل، أنا أعرف حركاته وموسيقى جسده”.
وكان لا يتعرف على الأشياء إلا بمحاولة استعمالها، وهو ما كان واضحًا في مثال الوردة الذي رواه الكاتب وكيف أنه لم يتذكَّر اسمها إلا بعد أن قام باستعمال حاسة الشم.
إذًا فالعين سليمة والنظر سليم، لكن ما ترسمه العين داخل العقل يعد صورًا تخطيطية ومجرَّدة غير مرتبة، وفوضوية لا يجمعها رابط.
الفكرة من كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
عُرف طبيب الأعصاب والكاتب أوليفر ساكس بالبعد الإنساني والأدبي في كُتبه، فحين يكتب عن المرض، فهو لا يحوِّل المرضى إلى حالات لا روح لها، أو كما يقول في مقدمة الكتاب: “سجل الحالة الحديث يلمِِّح إلى الفاعل بصورة سطحية: “أنثى في الحادية والعشرين من العمر مصابة ببرص ثلاثي الصبغ، وهي عبارة يمكن أن تنطبق على جرذ بقدر انطباقها على إنسان، ومن أجل إعادة الفاعل البشري إلى المركز – الفاعل البشري المُعاني، والمُبتلى والمقاوم – لا بد لنا من توسيع سجل الحالة إلى قصة أو حكاية”.
ما الذي يجعل شخصًا ما يظن أن زوجته قبعة؟ إنه الدماغ، هو ما يجعله يسلك سلوكًا غريبًا ومختلفًا.
هناك فرق بين الدماغ والعقل، فالدماغ هو الكتلة المادية الموجودة داخل الجمجمة، أما العقل فهو القدرة على التفكير والوظائف الإدراكية.
مؤلف كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
أوليفر ساكس: هو كاتب وباحث وطبيب أعصاب بريطاني متخصِّص في علم الأعصاب، ولد سنة 1933 في لندن، وتوفي سنة 2015. حاز رتبة قائد في رتب الإمبراطورية البريطانية (CBE)، وهو عضو جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
ألَّف الطبيب أوليفر ساكس مجموعةً من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد تناولت في معظمها الحالات المرضية التي واجهته في مسيرته المهنية، والبعد الإنساني لها، ومن أشهر هذه الكتب:
أريد ساقًا أقف عليها.
رؤية الأصوات رحلة إلى عالم الصم.
عين العقل.
على الطريق (نُشر هذا الكتاب سنة 2015 قبل أشهر قليلة من موته).
عمى الألوان.