الرباط الخفي.. بنية اللغة في العقل

الرباط الخفي.. بنية اللغة في العقل
في دراسة رائدة أُجريت في باريس عام 2011، استخدم فريق من الباحثين تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لاستكشاف العمليات العصبية المرتبطة بمعالجة اللغة، تمثلت التجربة في عرض قوائم من الكلمات على المشاركين لقراءتها داخل جهاز الرنين، وتضمنت بعض هذه القوائم كلمات عشوائية غير مرتبطة بعضها ببعض، مثل: (هو، يفحص، الكلب، أكلت، الغابات، الحذاء)، بينما حصل آخرون على قوائم تحتوي على كلمتين متجاورتين يمكن فهمهما على أنهما جملة واحدة، مثل: (أكل، القط، لعب، الاثنان، هذه، الدجاجة)، ومع الفحص وُجِدَ أن الدماغ يُظهر نشاطًا متزايدًا عند قراءة القوائم التي يظهر في كلماتها بنية نحوية.

في تجربة لاحقة، قدم الباحثون إلى المشاركين قوائم كلمات ذات قواعد نحوية صحيحة، لكن بمعانٍ غير مفهومة، بهدف فصل البنية النحوية عن المعنى واكتشاف إن كان الدماغ سيستجيب لها بالدرجة نفسها، فعلى سبيل المثال تحولت جملة مفهومة سليمة لغويًّا مثل: “تساعد تلك الأخت أخاها الصغير في حل الواجبات المدرسية”، إلى جملة تشبهها تمامًا في البنية النحوية، لكن بكلمات مُختلقة لا تمت للغة بصلة، ورغم التركيب النحوي الواضح للجملة، إذ تستطيع أن تميز فيها الفعل، والفاعل، والضمير، واسم الإشارة، وحرف الجر، وأن تستدل على وجود التأنيث والجمع، لن تفهم أي شيء، لأن الجملة فارغة من أي معنًى. وكشفت النتائج في هذه التجربة عن نشاط معزز في عدة مناطق دماغية عندما تكون البنية النحوية موجودة، حتى في غياب معنًى واضح للكلمات، وأبرز هذه المناطق كان التلفيف الجبهي السفلي، الذي أظهر حساسية خاصة للجوانب النحوية للغة في تجارب أخرى لاحقة، فعلى ما يبدو أن الرباط الخفي لم يعد خفيًّا بعد الآن، ومن يعرف؟ ربما قريبًا نستطيع الإشارة إلى موقعه بالتحديد والكشف عن آلياته بدقة.
الفكرة من كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
إذا سألتك عما تفعله الآن، فقد تكون إجابتك: “أنا أقرأ ملخص كتاب “لغة بلا حدود” عبر تطبيق أخضر”، أو “إنني مستغرق في قراءة ملخص كتاب على أخضر”، أو “إني أطالع تلخيصًا لكتاب عن اللغة على هاتفي”، توجد مئات.. بل ملايين الجمل التي يمكن استخدامها للتعبير عن هذه الفكرة المفردة، ومعظمها لم يسبق لنا سماعه أو استخدامه، فما الذي يمكّننا من توليد هذا الكم الهائل من الجمل بشكل طبيعي دون تعلمها صراحةً؟
الحقيقة أن الإجابة عن سؤال كهذا ليست بالأمر البسيط أبدًا، وللوصول إليها علينا أولًا أن نمر بسلسلة طويلة من الأسئلة الأكثر تعقيدًا: كيف نتعلم اللغة؟ أو كيف نفهمها؟ وكيف يتعامل العقل مع الكلمات والجمل؟ وهل يمكن لأي من أنظمة التواصل الأخرى الموجودة أن تتطور وتصل إلى تعقيد اللغة البشرية؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة ويثير في أذهاننا مزيدًا من التساؤلات، من خلال عرضه الموجز لأهم الأبحاث والنظريات اللغوية التي طُرحت خلال المئة سنة الأخيرة.
مؤلف كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
ديڤيد أدجر: أستاذ اللسانيات في جامعة كوين ماري بلندن، شغل منصب رئيس جمعية اللسانيات البريطانية السابع عشر، ويُعد خبيرًا في دراسة أصول اللغة وقواعدها وطرائق تعلمها، وقد ألف كتابًا آخر يتعمق في هذه المواضيع تحت عنوان “Core Syntax: A Minimalist Approach”
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.