الرأسمالية والأزمات

الرأسمالية والأزمات
جادل البعض قبل أزمة الكساد الكبير في عدم إمكانية وقوع أية اختلالات جوهرية بين العرض والطلب تتسبَّب في نشأة أزمات اقتصادية طاحنة، واستندوا في ذلك إلى يد سميث الخفية وإلى قانون الاقتصادي الفرنسي “جان بابتست ساي”، فاليد الخفية لسميث تتكفَّل بضبط الاختلالات العرضية الناشئة عن التقلبات الدورية للأسواق للوصول إلى حالة التوازن مرة أخرى، فالسلع التي ترتفع أسعارها يحجم المستهلكون عنها فيزيد المعروض منها فتنخفض أسعارها مرة أخرى والعكس صحيح، كذلك الأمر في سوق العمالة، فعندما تزيد معدلات البطالة تنخفض الأجور فيغري ذلك أصحاب الأعمال على تشغيل المزيد فترتفع الأجور وتنخفض معدلات البطالة وصولًا إلى حالة التوازن الأولى مرة أخرى.

أما قانون “ساي” فيزعم عدم تصوُّر وجود اختلال بين العرض والطلب، ذلك أن العرض يشكِّل بدوره طلبًا يساويه، فالمنتج حين ينتج سلعة يشتري عوامل إنتاج من العمل والطبيعة ورأس المال والتنظيم، فهو بذلك يخلق طلبًا مكافئًا لعرضه على سلع أخرى، من هنا كان العرض لا بدَّ أن يساوي الطلب عند أيٍّ من نقاط منحنى العرض والطلب.
بيد أننا لا يمكننا التسليم مطلقًا لهذا الطرح، فاليد الخفية قد تتعطَّل لا سيما إذا كان هناك تشاؤم حيال المستقبل، وهذا بالضبط ما حصل إبان أزمة الكساد العظيم، فعلى الرغم من انخفاض الأسعار والأجور فإن موجة الكساد لم تنقشع واستمرت مدة طويلة، فأصحاب الأعمال تملَّكتهم نظرة تشاؤمية حيال المستقبل، وبالتالي قلَّ الحافز تجاه الاستثمار فسرَّحوا الكثير من العمال الذين لم يجدوا أية قوة شرائية لشراء ما يحتاجون من السلع والخدمات، فأصبحت البضائع مكدَّسة فزادت النظرة التشاؤمية مرة أخرى، وهكذا دار الأمر في حلقة مفرغة، أما قانون ساي فيغفل الفارق الزمني بين عمليتي العرض والطلب، كما يغفل أثر عمليات الادخار التي تمثِّل تسرُّبًا من النشاط الاقتصادي، كما لا يمكننا السيطرة على كل العوامل المتعلقة بأية عملية تبادل قد تنشأ، ففي النهاية يتبقَّى أثر العامل العشوائي الذي قد يؤثر بدرجة أكبر من العوامل المخطط لها مسبقًا.
الفكرة من كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
رغم ما يشاع عن عظمة المذهب الرأسمالي وإسهاماته في رفع المستوى المعيشي للملايين حول العالم في الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فإن الفرد يقف حائرًا وسط هذا الفقر المدقع المستشري في جميع دول العالم المتقدمة والنامية على السواء..
يكشف هذا الكتاب حساب الرأسمالية المعاصرة وإلقاء اللوم عليها جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو يتتبع إفلاس النظم الاقتصادية المعاصرة في القضاء على الفقر، كما يغوص في ديناميكيات الرأسمالية وكيف تتشكَّل الأزمات الاقتصادية، كما يعرِّج في النهاية على أثر الاختلالات الهيكلية للأنظمة الاقتصادية المعاصرة في مستقبل العالم.
مؤلف كتاب الاقتصاد المجنون.. الرأسمالية والسوق اليوم
كريس هارمن: كاتب صحفي وناشط سياسي ومنظِّر ماركسي بريطاني، وعضو باللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي ببريطانيا، وكان رئيس تحرير مجلة العامل الاشتراكي ولاحقًا لمجلة الاشتراكية الأممية، وتُوفِّي نتيجة سكتة قلبية في القاهرة بمصر في أثناء مشاركته في مؤتمر مركز الدراسات الاشتراكية في 7 نوفمبر 2009.
أنتج هارمن مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات عن عدة موضوعات، ومنها: “كيف تعمل الماركسية؟”، و”غرامشي ضد الإصلاحية” و”النبي والبروليتاريا”.