الذين سبقونا بالإيمان
الذين سبقونا بالإيمان
إن من أكبر الأسباب التي تجعل العبد يرتبط بالقرآن ارتباطًا حقيقيًّا هي معايشة معاني الآيات، فيستشعر أن الآيات تتنزَّل عليه كما كانت تتنزَّل على الصحابة (رضوان الله عليهم)، فكانت تنزل في أمور باشروها وأبصروها، نزلت في أحزانهم، وفي أفراحهم، فكانت الآيات تقع في قلوبهم مواقعها، فكلما خلصت حياة الإنسان لله وتعلَّق قلبه بهمِّ الآخرة، وصفي من هموم الدنيا، سيجد أنسًا بالقرآن لا ينتهي، وفي هذا يقول عثمان بن عفان (رضي الله عنه): “لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا”.
فإن لم يتمكَّن العبد من العيش مع معاني القرآن كلها، فعليه أن يتصوَّر حال الدعوة عند نزول الآيات، وسوف تصبح في ذهنه حيَّة متحركة وهو يتصوَّر أثرها في رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى الصحابة (رضوان الله عليهم)، وللقيام بذلك يجب عليه أن يفهم كلام الله ويتعلَّم أحكامه، ويحسن الاستماع إليه، ويصدق في طلبه، فإن الله (عز وجل) يسَّر القرآن لطالبِه.
و
لو تأمَّل الإنسان في حال الصحابة (رضوان الله عليهم) وهم يتلون كتاب الله وحرصهم على تعلُّمه لرأى عجًبا، فهذا ابن مسعود (رضي الله عنه) يقول: “كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن”، وهذا عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قد تعلَّم سورة البقرة في ثماني سنين وقيل في اثنتي عشرة سنة، ويحكي ابن مليكة (رحمه الله) أنه سافر مع ابن عباس (رضي الله عنهما) فكان يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفًا حرفًا ثم يبكي حتى تسمع له نشيجًا، وهذه أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) جاءها عُبادة بن حمزة (رضي الله عنها) وهي تقرأ: ﴿فمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾، فوقفت عندها، فجعلت تعيدها وتدعو، فطال عليه ذلك فذهب إلى السوق، فقضى حاجته ثم رجع وهي تعيدها وتدعو!
الفكرة من كتاب تدبُّر القرآن
حين نتأمَّل في وقع القرآن الكريم على الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومُراقبة أحوالهم، وكيف كانوا قبل القُرآن وكيف صاروا بعده، نجد أن للقُرآن سطوة عجيبة! ووقعًا مُختلفًا، فما الفارق بين القرآن الذي نزل فيهم والقرآن الذي بين أيدينا؟ لا فارق.. وإنما هو فارق التلقِّي والتعامل مع القرآن، يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فلم يكن تدبُّر القرآن عند سلفنا الصالح درسًا يُسمع أو كتابًا يُقرأ بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلب القارئ وهو يتجه إلى القرآن!
في هذا الكتاب يُجدِّد لنا الكاتب معارف وأحوالًا تجعل القلب يظفر بحياة جديدة مع القُرآن، وسبيل تدبُّره، ليكون قُرَّة العين، وحياة القلب.
مؤلف كتاب تدبُّر القرآن
سلمان بن عمر السنيدي: كاتب ومفكر إسلامي، سعودي الجنسية، قدم العديد من محاضرات التزكية والتعليمية، وله عدد من المؤلفات المُتعلقة بالقرآن الكريم وتدبُّره، منها: “من أجل تدبر القرآن”، و”واقع تدبر القرآن في مدارس التحفيظ”، وكذلك مؤلفات أُخرى ككتاب “التنوُّع المشروع في صفة الصلاة”.