الذاكرة والنسيان
الذاكرة والنسيان
لا شك أننا اليوم نحيى في ظل عالم يموج بثورة معلوماتية مختلفة كلية عن الثورات العلمية الأخرى عبر التاريخ البشري، فالمعلومة اليوم أضحت الركيزة الأساسية لرأس المال في الحياة المعاصرة، لذا من يمتلك سبل المعرفة ويتحكم في مصادرها كمن امتلك صولجان القوة وأخضع الجميع تحت سيطرته، ولكن كل تلك الأهمية للدور الذي تلعبه المعلومات لا يتأتى إذا لم نستطع تسجيلها للرجوع إليها والاستفادة منها كلما تطلب الأمر.
فالذاكرة بهذا المفهوم هي عماد الثورة التكنولوجية اليوم، وهي أساس التقدم في التطبيقات الذكية القائمة على أساس استخدام المعلومات التاريخية، وبواسطة الاحتمالات يتم تحديد سيناريوهات للمستقبل، ومن ثمَّ ردود الفعل المناسبة تجاه المواقف المختلفة، ومن الناحية الاجتماعية نجد أن التاريخ يذخر بالعديد من المواقف التي ينبغي تذكرها على الدوام فهي مشعل يضيء لنا الطريق دومًا وسط غياهب المستقبل، وبخاصة تلك الذكريات المتعلقة بالحروب والنزاعات في المنطقة والبيانات المضللة، وسياسة الكيل بمكيال المصلحة التي تظهر في كل مناسبة أو هجمة على البلاد العربية.
حيث ظهر ذلك جليًّا إبان الاستعمار الغربي للدول العربية وما تبعه من وأد محاولات الاستقلال، وأيضًا خلال الحرب الأمريكية ضد العراق عندما قادت تحالفًا مكونًا من 31 دولة ضد دولة عربية واحدة، وما تبع ذلك من كذب وتدليس للحقائق، وكذا المواقف والإجراءات القمعية التي يتم اتخاذها من الدول -التي تدعي الحرية- ضد بعض مواطنيها حينما يختلفون مع سياستها في بعض القضايا، لذا يجب ألا ننسى كل هذا وأن نعي الأشياء جيدًا من حولنا، فبعض الدول تسعى إلى فرض حضارتها بالقوة على باقي الحضارات، تحت مسمى نشر القيم الأمريكية أو مبادئ الديمقراطية أو حتى العمل على نشر مبادئ العولمة، وهي قيم ومبادئ تمت هندستها سابقًا؛ لترويض الشعوب أو إن شئت فقل استئناسها.
الفكرة من كتاب الحرب الحضارية الأولى
يتلقف العالمَ اليوم الكثير من التجاذبات والصراعات، كما يعج كذلك بالعديد من التحليلات ما بين معسكر متفائل هنا وآخر متشائم هناك، لذا يسعى هذا الكتاب إلى العودة قليلًا إلى الوراء لسبر أغوار الماضي، ومحاولة تجاوز حتمية الاصطفاف بين أحد المعسكرين، واتخاذ موقف انتقائي لتوصيف مثالب هذا النظام العالمي القائم على هيمنة الحضارات وصراعها مع بعضها بعضًا.
مؤلف كتاب الحرب الحضارية الأولى
د. المهدي محمد المنجرة: اقتصادي وعالم اجتماع مغربي مختص في الدراسات المستقبلية، يعدُّ أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية، وُلد في الـ13 من مارس عام 1933م في الرباط في المغرب، التحق بجامعة كورنيل الأمريكية وتخصص في البيولوجيا والكيمياء، وفي عام 1954 واصل دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد للحصول على درجة الدكتوراه، وبعد عودته إلى المغرب عُين محاضرًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المحلية والدولية، كما التحق بالعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وحصل خلال مسيرته على جوائز عالمية منها جائزة الأدب الفرنسي من جامعة كورنيل، ووسام الاستقلال من الأردن، توفي في الـ13 من يونيو من عام 2014.
من أبرز مؤلفاته: “نظام الأمم المتحدة”، و”من المهد إلى اللحد”، و”القدس العربي”.