الدين والنباهة
الدين والنباهة
الدين الحقيقي يعتبر الإنسان ذاتًا أرقى وأشرف من جميع المظاهر الطبيعية، وأن كل ما حوله مسخر لخدمته، فهو صفوة خلق الله، وخليفته في الأرض، مغير لذاته، ولمجتمعه، ومتمرد بطبعه، يثور لأجل الدين والحرية ولا يقبل ذل القيد، والدين الإسلامي قد تحدَّث عن الدراية الإنسانية، وتحدثت رسالته العقدية النبوية عن الدراية الاجتماعية، ودفع الناس إليهما، وحثهم على استعمالهما، وقد كان الرعيل الأول فطنين لهذا، لكن رجالاته الجدد أتوا بمفاهيم جديدة -بعد وفاة أنبيائه- مخالفين تعاليمهم، واستعملوه كوسيلة لاستحمار من تسلطوا على الناس تحت ستار السلطة والرسمية، واستمدوا قوتهم من ثقة الناس في الشرع وأهله، لا من قوتهم الحقيقية وعلمهم، وهم لديهم سمات خاصة تنم عن احتفاظهم بالدين، واحتكارهم له، وأنهم من الدعاة لله، ويظهرون لك أن الجنة والنار بأيديهم، وأن طاعتهم من طاعة الله، ورضاهم من رضا الله.
هذا الدين الذي يدعون إليه يجعلك تأكل حقوق الناس دون تأنيب ضمير، ولا تعمل على إرجاعها إليهم ولا تسترضيهم، ولو كنت مظلومًا يعلمك ألا تطالب بحقك، وتصبر لتحصل عليه في الآخرة، فيأتي هؤلاء الرجال يطلبون منك أن ترضى لأن هناك من هو أسوأ حالًا منك، وهذا صحيح في العموم لأن نفسك دائمًا تتطلَّع إلى ما في يد غيرك، وتريد أن يكون حالك كحاله، فيكون شكرك ورضاك على (وجود النعمة) في حياتك، لكن عندما يستخدم هذا المفهوم لأكل الحقوق، وخداع العقول، وتثبيط الهمم للبقاء على حالةٍ يريدونها، فاعلم أن هذا ليس ما أتى به الدين، فإن أكبر مصيبة تصيب المجتمعات الدينية أن يتم استحمارها عن طريق مفاهيم ومصطلحات محرِّفة للدين.
الفكرة من كتاب النباهة والاستحمار
يتحدث الكاتب عن النباهة بنوعيها (الفردية) و(الاجتماعية)، ويرى أن “الاستحمار” ينتج عن كل ما هو خارج عن إطار هاتين النباهتين، وأن هذا الاستحمار أصبح معزَّزًا بالعلم، والإذاعة، والتليفزيون، والتربية والتعليم، مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف عليه بدقة.
ووسيلة النجاة من شؤم التبعية والتقليد والاستهلاك دون الإنتاج، والاستنزاف الفكري.. بكون هاتين الدرايتين مقياسًا لكل إنسان، وأن أي دافعٍ لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية.
مؤلف كتاب النباهة والاستحمار
علي شريعتي: مفكر إسلامي، ولد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1933، وانتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من يونيو عام 1977، حصل على شهادتي دكتوراه من السوربون، الأولى في تاريخ الإسلام، والثانية في علم الاجتماع، وعاد إلى إيران عام 1964، حيث عُيِّن مدرسًا بجامعة مشهد، وأسس حسينية الإرشاد لتربية الشباب عام 1969، واتخذها منبرًا لإلقاء محاضراته، واعتُقل أكثر من مرة، آخرها لمدة 18 شهرًا، وسافر على إثرها إلى لندن، ثم وُجد مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع من وصوله إليها، عن عمر يناهز الـ43 عامًا، وكان هذا قبل الثورة الإيرانية بعامين.
من أهم مؤلفاته: العودة إلى الذات، والنباهة والاستحمار، ومسؤولية المثقف. ويبلغ مجموع ما طُبع له في السبعينيات أكثر من 15 مليون نسخة.