الدين والعلوم الحياتية
الدين والعلوم الحياتية
تتفاضل موضوعات العلوم فيما بينها تبعًا لمدى قدرتها على خدمة كيان المجتمع الإنساني ورفاهيته، وتلك هي مراتب العلوم من حيث غاياتها وأهدافها، أما من حيث وحدة الموضوع فنجد أن كلًّا منها تخصَّص في جانب ما من جوانب الحياة، فعلى ذلك ترى العلوم انقسمت إلى فلكية وطبيعية وتاريخية ولغوية وغيرها، ومن ذلك يتبين عدم الاشتراك بين الدين والعلوم لا من حيث الغايات ولا من حيث الموضوع، وبيان ذلك أن العلوم إنما تبحث في المعلولات بينما يستأثر الدين بمبدأ البحث عن العلة الأولى، ولكن رغم ذلك فمن الممكن اعتبار تلك العلوم بمثابة وسائل يستعين بها البحث العقدي في مهمته.
فالحقائق الدنيا هي مطية الصعود إلى الحقائق العليا، ناهيك عن دور العلوم في تبديد ظلمات الجهل وبعث النور في جوانب النفوس، مما يهيئ الأمر نحو عملية اعتقادية سليمة بعيدة عن الأساطير والخرافات، وإذا انفصلت العلوم عن الأديان وبانت عنها من حيث الموضوع والمقصود فلا يعني ذلك عدم وجود تعاون بين العقل الذي هو آلة العلم من جهة وبين الأديان، ذلك أن المصدر واحد، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه الدين، ومحال أن يرسل إليه ما يفسده ويعطله عن وظيفته، فالعقل الصريح لا ينافس الدين الصحيح.
وأما ما جاء ذكره في التاريخ من مصادمات بين المعسكرين العلمي والديني فبعد استبعاد الأسباب السياسية والمطامع الاقتصادية سوف نجد أنها لا تخرج عن أحد أمرين؛ الأول هو مشاكلة أصحاب الجهل المركب حيث يرفض أحدهما ما عند الطرف الآخر جملة واحدة لا عن بينة ولا حتى شبهة ولكن عن هوى مطاع وغرور مُتبَع أو جهل بحقيقته، وأما الأمر الثاني فيتمثل في معارضة بعض جزئيات أحدهما، كأن تتناول الديانات شيئًا من مسائل العلوم فتفترق كلمتها عن العلم فيها فيحدث حكمان متناقضان، فلو لم تكن هناك طريقة ما للتوفيق بينهما عُدَّ ذلك معيارًا حاكمًا على مدى صحة الدين من فساده عبر مدى اتفاقه مع مقررات العلم الصحيح والعقل السليم.
الفكرة من كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
يُطلق مصطلح “الدين” على معانٍ متعدِّدة غير أنها يمكن جمعها في نسق متقارب يدور حول معاني الملك والتصرف والعقيدة والخضوع والطاعة، فهي تدل أن ثمة علاقة بين طرفين أحدهما يخضع للآخر، فهي في حق الأول خضوع وانقياد وفي حق الثاني حُكمٌ وسلطان..
يعدُّ الكتاب إحدى الدراسات التي قام بها المؤلف في مجال تاريخ الأديان وعوامل نشأتها ودورها المجتمعي، كما عمل على تحليل الفكرة الدينية في حد ذاتها واستنباط عناصرها النفسية، وعلاقتها بالعلوم الحياتية، وفك الاشتباك الحاصل بين الدين من ناحية والفلسفة والأخلاق من ناحية أخرى.
مؤلف كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
محمد عبد الله دراز: مفكر وباحث إسلامي مصري كبير، وُلد في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ في عام ١٨٩٤م، وحصل على شهادة العالمية عام ١٩١٦م، ودَرَس فلسفة الأديان بفرنسا في «جامعة السوربون» ونال منها شهادة الدكتوراه، وعمل مدرسًا بمعهد الإسكندرية الأزهري، ثم محاضرًا في الكليات الأزهرية الناشئة، وقد وافته المنية في أثناء حضوره مؤتمر الأديان الكبير في «لاهور» الباكستانية سنة ١٩٥٨م، حيث توفي خلال إحدى جلسات المؤتمر.
له العديد من المؤلفات أبرزها:
النبأ العظيم.
الصوم تربية وجهاد.
نظرات جديدة في القرآن.
دستور الأخلاق في القرآن.