الدين كما لم تعرفه من قبل
الدين كما لم تعرفه من قبل
إن الدخول في حمى الإيمان الحقيقي ينبع ابتداءً من الفطرة السليمة ثم تغذيه المعرفة الصحيحة لله سبحانه، معرفة بأسمائه وصفاته ومعرفة بآلائه ونعمه، ومعرفة بالتفكُّر في كونه وتدبيره، وهذا مما يوصل القلب إلى وضع الخضوع والتسليم الذي هو حقيقة هذا الدين، إذ ليس المراد به خضوع الكاره أو الجاهل، بل خضوع المتأمل المتيقِّن صاحب الأساس الفطري السوي.
إن التلبُّس بهذا الدين يبدأ بشهادة تلزمها نفسك وتتحرَّك بها فعلًا في هذه الحياة، وشعورًا لمن دان بها مثلك، فأنت بها تقرِّر حقًّا وتنفي باطلًا وتتبنَّى نموذجًا بشريًّا مثلك يكون هو القدوة والأسوة، نموذجًا لم يجعله الله ملكًا كما طلب الجهَّال ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن حقًّا، وإنما نموذج يتزوَّج كما تتزوَّج ويتاجر كما تتاجر ويحزن كما تحزن ويفرح كما تفرح، نموذجًا بشريًّا ارتقى في درجات العبودية حتى بلغ ما بلغ ليسهل عليك المهمة، ممهدًا لك الدرب حتى تقتفي أثره وأثر من سبقه من النبيين الرجال مثله (صلوات الله وسلامه عليهم).
وهل يعني ذلك أنك لن تضل ولن تنسى! ولو مهِّدت لك كل الطرق ووضَّحت لك السبل فإن الخطأ والنسيان أمران فطريان فيك كفطرة الإيمان، ولولا هي ما كنت أنت ولأتى الله بغيرك ممن يخطئ ويستغفر ويخطئ ويستغفر، ولكن انتبه معي هنا لـ”يستغفر”، فذلك الذي يصحو في قلبك وينبض ويضيِّق عليك كلما اقترفت ذنبًا هو الدليل والبرهان على حياة قلبك، وأنك ما زلت تحت حمى الإيمان وهو محل النظر والاختبار وعليه مدار سائر الجوارح والأعضاء، وهو المُستقبِل لأثر العبادات وأركان الإسلام.
فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر إن لم تغيِّر في قلب صاحبها شيئًا فليست صلاة على الحقيقة، فإقامتها ظاهريًّا ليس ذلك الغرض منها فحسب، والصيام إن لم يحرق عليك خواطرك وأفكارك وذنوبك كما يحرق جرامات استقرت في معدتك، فليس صيامًا على الحقيقة وليس هذا هو الغرض منه! إن العبادات والأركان وشرائع الدين التي حفظها الله زمانًا بعد الزمان وكفل لها من يقومون بها ويجدِّدونها بين الناس لم تكن هكذا صورًا يتلبَّسها أصحابها، وإنما هي عقائد ترفع أقوامًا إن أقاموها حق إقامتها وتهبط بآخرين إن ضيَّعوها ولم يفهموها على الوجه المشروع.
الفكرة من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام
إن «صدق العاطفة ليس عذرًا للخلط العلمي، ولا للقول في دين الله بالهوى والرأي، فإن للإسلام ينابيع معروفة محصورة تؤخذ أحكامه منها وحدها، ولا يؤذن لبشر بالزيادة عليها أو الانتقاص منها».
مجموعة من المقالات المنوعة المترابطة كونها تصحِّح التصوف المغلوط وتوضحه من وجهة نظر إسلامية صحيحة، وتربط أعمال القلوب بأصل الدين ووجود الإنسان وهدفه وغايته بأسلوب سهل قريب للقارئ.
مؤلف كتاب الجانب العاطفي من الإسلام
محمد الغزالي: عالم ومفكر إسلامي مصري، وأحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرِف عنه تجديده في الفكر الإسلامي، كما عُرِف بأسلوبه الأدبي في الكتابة واشتهر بلقب أديب الدعوة. ولد في الخامس من ذي الحجة 1335 هـ/ 22 سبتمبر (أيلول) 1917م، وتوفي يوم 20 شوال 1416 هـ/ 9 مارس (آذار) عام 1996م، تاركًا لنا مكتبة عظيمة من الكتب والمؤلفات.
ومن أبرز مؤلفاته:
فقه السيرة.
هموم داعية.
جدد حياتك.
نظرات في القرآن.
سر تأخر المسلمين والعرب.