الدول الهشة
الدول الهشة
أدَّت اللعبة الليبرالية الجديدة إلى انقسام دول العالم إلى معسكرين: رابحين وخاسرين، فالرابحون في ذلك المضمار هم القادرون على اقتناص فوائد العولمة، وهم اليوم من يسيطرون على المشهد السياسي في ظل تقلُّص البدائل المتاحة في السياق العالمي المعاصر، وكان نتيجة ذلك أن اتسعت الهوَّة بين المواطنين وحكوماتهم، مع إذكاء العديد من القلاقل الاجتماعية كتحوُّلات البنية العرقية وازدياد عدم المساواة والاستقطاب الطبقي الحاد.
وهذا يدل على أن النظام الدولي لا ينحصر فقط في العلاقات البينية بين الدول بعضها وبعض، بل تمتدُّ آثاره إلى البنية الداخلية للدول، فنتيجة لتهلهل الدول الفقيرة من الداخل يعيش ملايين البشر في ظل تهديد محقَّق بخطر الموت نتيجة عيشهم في ظل دول عاجزة ولا تملك أي عوامل أمان ضد أي أزمات اقتصادية أو اجتماعية قد تنشب في أي وقت، لذا صار هناك اعتقاد يتزايد مع الوقت لدى جموع الأفراد مفاده أن مصائرهم لا ترتبط بالأحوال الداخلية بقدر ما ترتبط بالتطورات على المستوى الدولي.
وتكمن المشكلة في هذا الصدام بين فلسفة النظام الدولي المعاصر والقائم على أعتى صور الليبرالية قتامة وبين مفهوم الدولة الوطنية المتماسكة، ورغم أن العالم اليوم لا يزال يتغنى بالمبادئ الديمقراطية والمساواة؛ فإن الواقع أثبت زيف تلك الدعاوى الفارغة، ففي أزمة كورونا الحالية (كوفيد 19) رأينا كيف كانت تتسابق الدول على سرقة بعضها بعضًا وكيف تنكَّرت لمسؤولياتها الدولية تجاه غيرها، فبسبب تلك الحوكمة الضعيفة صار العالم يتجه إلى نموذج أكثر هشاشة، حتى في الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال: تتباهى بعض الدول بنسب التشغيل المرتفعة وانخفاض معدلات البطالة، ولكن عند تحليل الهيكل الوظيفي نجد أن نسبة كبيرة إنما هي عبارة عن حشود من العمالة الفقيرة، مما يكرِّس نوعًا من الطبقية المجتمعية ويزيد من هشاشة النسيج المجتمعي، فالعالم اليوم يسير نحو عصر تصبح فيه الدول أكثر هشاشة.
الفكرة من كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
في اللحظة التي بلغ فيها النظام الدولي درجة لم يعرفها قط من الاستقرار النسبي، يتأزَّم كلٌّ من البعدين السياسي والاقتصادي للنظام العالمي، ورغم أن هناك مجموعة واسعة من المؤسسات الدولية الكبرى على رأسه؛ فإنها على درجة من الضعف جعلها تلقَى فقط اعترافًا شكليًّا في معظم الدول ولا تصلح أساسًا متينًا لنظام دولي مستقر، لذا كانت أهمية هذا الكتاب ليطلعنا على الماضي والواقع والمستقبل في آن واحد.
مؤلف كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
يورغ سورنسن Georg Sorensen: أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس، حصل على الماجستير في العلوم السياسية 1975، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية 1983، وكان عضو مجلس البحوث الأوروبي 2012، وعضو مجلس إدارة معهد أبحاث السلام في أوسلو 2013.
له العديد من المؤلفات منها: “الدول الهشة: العنف وفشل التدخل”، و”نظام عالمي ليبرالي في أزمة.. الاختيار بين الفرض وضبط النفس”، و”تحول الدولة.. ما وراء أسطورة التراجع”.