الدولة القمعية
الدولة القمعية
لا يمكن أن يمارس العنف والقمع والتسلط إلا في ظل نظام وسلطة تحمي ممارسيه وتغذي أوضاعه القائمة، وتستخدمهم لتحقيق مصالحها، الجميع كأدوات قمع عند الحاجة، فالسلطة تمارس لكي تفرض قبول القمع، ولتردع وتمنع التمرد، فهي لا تكتفي بفرض سيطرتها على الأجساد فقط، بل تمتد إلى امتلاك العقول، وتجهض أي محاولة للمقاومة الاجتماعية من الأفراد، بسبب الحفاظ على عزلتهم وخوفهم، وتمزيق الروابط الإنسانية بينهم، والإبقاء فقط على غرائزهم وانفعالاتهم.
لا تترك الدولة القمعية أي مجال للتنفس، خصوصًا المجال الثقافي من أدب وسينما وإعلام، دائمًا هناك حالة من الفوضى والتشتت والتعظيم والمبالغة والتغطية والتضليل، فوسائل الإعلام لا تتحدث عن المشكلات المهمة لأن ذلك أخطر من المشكلات بذاتها، وتجبر الأفراد عبر التكرار قبول التفسيرات التي تقدمها.
وقد تستخدم الدولة القمعية الدين لكي تضفي شرعية دينية مباركة على شرعيتها المشكوك بها، فغالب الدكتاتوريات قامت على أنقاض حرب أهلية دموية أو انقلاب عسكري، حينها تستخدم الدين لتخدير وتغييب العقول لما له من سطوة على العامة، وأحيانًا يلعب الدعاة دور المعارضة التي من الممكن استمالتها ببعض المكاسب، وتظل المسرحية قائمة حتى يتعدَّى دور بعض الدعاة التأثير المرسوم له.
وعند غياب الدين وانتشار الإلحاد الذي يفشل في إقامة الجنة المزعومة المسماة بـ”اليوتوبيا” على الأرض الدنيا ينتشر اليأس والعجز عند التحدث عن المستقبل، وتتناول الأدبيات ذلك بسرد وتوقُّع النهاية المأساوية للإنسان الذي سينتهي الأمر به كآلة يمارس دوره الصناعي الاقتصادي بدقة، ويستهلك باستمرار لإشباع رغبات لا حد لها، منزوع العواطف والخصوصية.
الفكرة من كتاب حيونة الإنسان
اختلف الفلاسفة والمفكِّرون في تعريف الإنسان، فتارة هو حيوان ناطق، وأخرى هو حيوان له ذاكرة، وأحيانًا حيوان يميل إلى الاجتماع، بينما يرى الدين أنه مخلوق كرَّمه الله، له نزعات أو شهوات يشترك فيها مع الحيوان، وبنظرة بسيطة حولنا نجد أن عالم اليوم يتبع كل أساليب القهر النفسي والجسدي كي ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان بالكلية.
عملية حيونة الإنسان تتم بالتدريج، وتتخذ من التعود داعمًا كبيرًا لها، فنحن نألف كل قبيح مهما كان ثم نتقبله لكي نتكيَّف ونبقى على قيد الحياة بشعور أقل بالألم، فما الذي يحمل الإنسان على ممارسة العدوان والظلم ضد إنسان آخر؟ أي ما سبب كل تلك المجازر والحروب التي أراقت العديد من الدماء؟ وكيف تنشأ الأنظمة الاستبدادية وتتغذَّى على ممارسة العنف والخوف لدى شعبها؟ وهل نحن بعيدون كما نتخيل عن عملية الحيونة أم من الممكن أن تصيبنا أيضًا؟ كل تلك الأسئلة نجد إجابتها في كتاب “حيونة الإنسان”.
مؤلف كتاب حيونة الإنسان
ممدوح عدوان: كاتب ومسرحي ومترجم وشاعر سوري، ولد في محافظة حماة عام 1941م، وسُمِّي “مدحت”، ولكن نُصِح والده بتغيير اسمه زعمًا بأنه تركي الأصل، وخوفًا من عداوة السوريين للأتراك في ذلك الوقت، فعرف بقية حياته بممدوح، التحق بجامعة دمشق لدراسة اللغة الإنجليزية بقسم الآداب، وعمل في نفس الفترة بصحيفة “الثورة”، ثم عمل لفترة في تدريس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوفي عام 2004م بعد صراع مع مرض السرطان.
تنوَّعت أعماله بين مقالات ومسرحيات مثل: “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وكتب أشهرها: “تهويد المعرفة”، و”دفاعًا عن الجنون”، ودواوين شعرية مثل: “الظل الأخضر”، و”حياة متناثرة”، بينما اكتفى بروايتين فقط هما: “الأبتر”، و”أعدائي”.