الدولة الديمقراطية وإدارة الخوف
الدولة الديمقراطية وإدارة الخوف
تسبب النزعة الفردية الحديثة للإنسان فقدانه للوجدان الاجتماعي مع الآخرين، وانتشار المخاوف بين الأفراد، مما يجعل حضور الخوف والمعاناة والتهديد ملحوظًا حتى في أكثر المجتمعات أمانًا ورفاهية، بسبب هاجس الأمن الذي يسيطر على رؤيتها وطريقة تعاملها مع التفاصيل، ففي محاولاتها للسيطرة على كل شيء لفرض الأمن على عالم يمكن التنبؤ بكل أحداثه والتحكم بها، فإن أبسط اضطراب يمكن أن يسبب الرعب.
دائمًا ما يشعر الفرد أنه مهدد، غذى ذلك الانفتاح الصوري على كل الفرص والإمكانيات وتغذية الآمال الجامحة، التي عند الفشل في تحقيقها ينقلب ذلك بشعور عدم الكفاية الذي يعتصر الفرد، يرى كل تهديد موجه له، وكل منافسة هو طرف فيها، يركض خائفًا من التخلف عن الركب، الحالة التي استغلتها المؤسسات والشركات الخدمية لتقديم حلول مبتكرة لتوفير الحماية الفردية وتحصين كل ما يخص الفرد ضد الآخرين.
كيف أسهمت الديمقراطية في زيادة الخوف؟
يمكن أن نرى عبر التاريخ تدرج المراحل التي أدت إلى ظهور الديمقراطية، فكان النضال قائمًا ضد الحكم الاستبدادي الإمبراطوري أو الملكي، وصولًا إلى خضوع الجميع لقواعد موحدة، ثم الرغبة في صياغة تلك القواعد وهي ما سمي بالحقوق السياسية، التي بدأت مقتصرة على فئة معينة تتمتع بأملاك بحجة أنها ستجبرها على مراعاة الأصلح دائمًا لخوفها على ما بيدها، وهنا ارتبطت الحقوق السياسية بالممتلكات، حتى تحولت إلى حقوق عامة تشمل كل المجتمع.
وعبر قيام النقابات والأحزاب والاتحادات وغيرها من الكيانات الصناعية، تم دمج الأفراد الذين لا يتمتعون بأملاك في البنية الاجتماعية، وتشكيل وعيهم وخوفهم على مصالح تلك الكيانات، التي ارتبطت معها بروابط صناعية، وحل التضامن مكان الانتماء.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.