الدولة الحديثة شكلها ومضمونها
الدولة الحديثة شكلها ومضمونها
تختلف تعريفات الدولة الحديثة تبعًا لاختلاف عدد المفكرين الذين يكتبون عنها، فقال هيجل إنها قائمة على القانون الطبيعي، وقال ماركس إنها نتاج للسيطرة الاقتصادية لطبقة اجتماعية على طبقة أخرى، وقال كِلسن إنها ظاهرة قانونية، بينما قال جرامشي إنها نظام للهيمنة، ويرجع الاختلاف حول ماهية الدولة الحديثة إلى اختلاف المنظور الذي ينظر به كل مفكر، لذا يمكننا الجمع بين هذه التعريفات بالتسليم بأن مضمون الدولة متغير، لأنه يمكن أن يسيطر عليها ليبراليون أو اشتراكيون أو غيرهما، بينما شكلها ثابت، لأنه لا يمكن لمن يسيطر عليها أن يغير شكلها الذي امتلكته على مدار أكثر من مئة عام.
ويتميز شكل الدولة الحديثة بخمس سمات لا يمكن من دونها أن توجد، أولًا “النتاج التاريخي للدولة الحديثة”: فهي تمثل عملية صيرورة تكشف عن ترتيب سياسي، وسياسي ثقافي ذي أصل أوربي، وقد ارتبط مفهوم الدولة بالتقدم والعقلانية والحضارة، ومن ثمَّ فإن المتحضرين هم من يعيشون في حدود نظامها، بينما المتخلفون والهمج من يعيشون خارج حدودها. ثانيًا “سيادة الدولة والميتافيزيقا التي أنتجتها”: بُنيت السيادة الأوربية على فكرة أن الأمة تجسد الدولة، وأن الأخيرة هي وحدها صاحبة إرادتها ومصيرها، ومن ثمَّ لا بد أن تقطع الإرادة أي صلة بالاستبداد أو أي شر مهيمن من هذا النوع، وتمثلت هذه القطيعة مع الاستبداد في الثورتين الفرنسية والأمريكية.
ثالثًا “احتكار الدولة للتشريع والعنف”: تعمل الإرادة السيادية على إنشاء القانون المعبر عنها، فالقدرة على سن القوانين هي في أساس الدولة ولا يمكن تصورها من دونها، ومن ثمَّ فإن سلطة الدولة تتمثل في جزأَيِ القانون المعبر عن إرادتها، والعنف الذي يمكنها من إنفاذ هذا القانون داخليًّا وخارجيًّا. رابعًا “جهاز الدولة البيروقراطي”: يُعد النظام الإداري جزءًا لا يتجزأ من النظام القانوني لأنه يعطي لها سلطة ملزمة على الأفراد وكل ما يقع ضمن إقليم سيادتها. وأخيرًا السمة الخامسة “الهيمنة الثقافية”: لا يمكن أن توجد دولة ناضجة دون جدلية (الدولة – الثقافة)، فتأثير الدولة المتسع في النظام الثقافي يُنتج أنواعًا محددة من الذاتية ويعيد إنتاجها، ومن ثمَّ فإن تماسك وقوة أي دولة داخليًّا يعتمدان على توغلها فيه ثقافيًّا.د
الفكرة من كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
يرى حلَّاق أن وجود دولة إسلامية أمر بعيد المنال ومستحيل التحقق، لأن أي مفهوم للدولة الحديثة يتعارض بشكل صارخ مع الحكم الإسلامي ما قبل التحديث، إذ إن الحكم الإسلامي يرتكز على الأخلاق ويخضع لسيادة الله، بينما الدولة الحديثة تجعل الأخلاق هامشية وتخضع لإرادة وسيادة من صنعها، لذا فإن الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم يرجع إلى غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي المتردي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو واقع لا مفر للمسلمين من العيش فيه!
مؤلف كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
وائل حلَّاق: كندي من أصول فلسطينية، ولد لأسرة مسيحية في مدينة الناصرة، وهو باحث ومتخصص في الدراسات الفقهية الإسلامية، درَّس لسنوات في جامعة “ماكجيل” في كندا، ثم انتقل إلى جامعة “كولومبيا” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، من مؤلفاته:
تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني.
الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.
معلومات عن المترجم:
عمرو عثمان: باحث وأكاديمي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، والدكتوراه من قسم دراسة الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية.