الدولة أولًا.. لا بل الطفل أولًا!
الدولة أولًا.. لا بل الطفل أولًا!
يبدو أن الطفولة لم تسلم من الثورات والحروب والتغيرات السياسية، فها هي الشيوعية تضيف لمستها عليها أيضًا، خصوصًا في روسيا والصين، والهدف الأكبر الوطن أو الدولة أو الاقتصاد؛ الصالح العام مطلقًا، تجلى ذلك في محاولات إضعاف قبضة الأسرة التي عدها النظام متخلفة ورجعية، كان النظام هو الأسرة وهو الأدرى بمصالح الأطفال!
دعمٌ للتعليم ودعوة إلى إنشاء عدد أكبر من المدارس، وظهور لرياض الأطفال، لماذا هذا التركيز على التعليم؟ لأنه المنبر الذي ستصدع فيه مبادئ الشيوعية بصوتها العالي ويتشربها الأطفال شيئًا فشيئًا، حتى يصلوا إلى سن يمكن النظام من استغلالهم لصالح تحقيق خططه ومبادئه، والمدراس هي المكان الذي ستقضي فيه الصين على مبادئ الكنفوشية التي ترى أنها سبب تخلفها وبؤسها.
بينما كان الاتحاد السوفيتي يحافظ على النسل ويحرم الإجهاض بغية زيادة الكتلة الشيوعية، كانت الصين في ستينيات القرن العشرين بعد أن أخرجت كلا الوالدين إلى العمل، تتابع عدد المواليد وتحرم الزواج قبل سن ٢٥، وتجرم الأسرة التي تنجب أكثر من طفل، وتوزع اللولب وحبوب منع الحمل! ذلك على الرغم من أن كلا الحكومتين عملت على الحفاظ على صحة الطفل واتخذت الإجراءات في ذلك! ولكن لكل منهما وجهة نظر.
ماذا عن القرنين العشرين والحادي والعشرين؟
ذلك زمان تقديس الطفل، يبدو أن المجتمعات الصناعية الاستهلاكية صبغت الطفولة بصبغتها فلم تسلم منها، وكان من أبرز ملامح ذلك الزمان ازدياد الالتزام بالتعليم النظامي وتفريغ الطفل لذلك تمامًا، حتى الأعمال المنزلية انخفضت معدلات مشاركة الأطفال فيها، ما سيولد مشكلة أخرى مستقبلًا تتمثل في عدم الشعور بالهوية والانتماء! ازدادت حقوق الطفل وحمايته وتدليله وتغذيته، في سبيل تركيزه على الدراسة والتعليم وتحقيق أعلى الدرجات، مهّدت الطريقَ أمام تحقيق ذلك دعاوى وإجراءاتُ تقليل الولادات للتركيز على طفل واحد أو اثنين، ونتيجة لزيادة الأعباء على الأسرة سواء الاقتصادية والآن العناية والرعاية والتدليل والحرص على المستوى الأكاديمي، أصبحت الأمومة والأبوة عملًا شاقًّا بل مكروهًا لدى كثير من الأسر، هذا لا يعني أن مظاهر عمالة الأطفال قد اختفت تمامًا أيضًا، لكن مع الوقت ازداد الفصل بين العمل والتعليم بطرق مختلفة.
عدم استقرار أسري وارتفاع معدلات الطلاق وعلاقات جنسية مبكرة وحمل، مع دلال زائد وخوف مبالغ فيه على نفسية الطفل، إضافة إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك وشبه انقطاع للأسر الممتدة والعلاقات الاجتماعية وصولًا إلى انتحار المراهقة! هذا ما خلفته تلك الحقبة الزمنية.
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.