الدور السياسي في انتشار الوظائف التافهة
الدور السياسي في انتشار الوظائف التافهة
يجادل المناصرون لأيديولوجية السوق الحرة أن وجود وظائف ذات طبيعة تافهة أمر غير ممكن في ظل الرأسمالية، لأن الشركات لا تتحمل توظيف أشخاص لا يقدمون فائدة وإلا خسرت المنافسة في السوق، وهو أمر يرى الكاتب أنه صحيح نظريًّا وأنه بالفعل يحدث في الطبقة العاملة فقط، ولكنه يعرض التاريخ والعوامل الكثيرة التي أدت إلى الحياد عن هذا النموذج في الواقع بالنسبة إلى بقية الطبقات الأخرى، ففي عام 1930 توقع عالم الاقتصاد “جون مينارد كينز” أنه بنهاية الألفية ستتقدم التكنولوجيا بشكل كبير، ونتيجة ذلك هي القدرة على التشغيل الذاتي لأغلب الأعمال، ومن ثم ستنخفض عدد ساعات العمل أسبوعيًّا إلى 15 ساعة فقط، لقد حدث التقدم التكنولوجي بالفعل وبدأت عملية الأتمتة لبعض الوظائف ولكن ساعات العمل لم تتأثر، السبب كما يراه الكاتب هو السياسات النيوليبرالية والتدخل الحكومي لتمرير مشروعات سياسية تحت مسمى الاقتصاد والتنمية، فبدلًا من تخفيض ساعات العمل تمت صناعة العديد من الوظائف العديمة النفع للطبقة المتوسطة، حتى تظل مشغولة بالعمل دائمًا وتعزف عن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية، وكذلك تمت صناعة مشكلة البطالة التي تعد قضية مهمة تدرج دائمًا في الحملات الانتخابية منذ الحرب العالمية الثانية دون الوصول إلى حل قاطع.
يشرح الكاتب صعود النزعة الإدارية managerialism التي كونت أنظمة تشبه الأنظمة الإقطاعية في الماضي، وتهدف هذه الأنظمة إلى توجيه وتوزيع الثروات بين أفراد الطبقات الإدارية بناءً على أُسس سياسية، وقد صاحب هذا الصعود نمو بعض الأعمال التي تسمي أعمال المعلومات، والتي تشمل المؤسسات المالية والتأمينات وسوق العقارات وغيرها، وتنتشر بها الوظائف العديمة الفائدة بكثرة، وإلى جانب هذه الوظائف ظهر تيار آخر يهدف إلى عرقلة الوظائف التي تقدم قيمة حقيقة إلى المجتمع، عن طريق تكليفها بالمزيد من الأعمال الإدارية وتعزيز البيروقراطية بتعقيد عملية تداول المعلومات.
ويختم الكاتب بالحديث عن أحد الحلول المطروحة لهذه المشكلة، وهو ما ينادي بدخل أساسي شامل للجميع، حتى لا يتحول العمل إلى غاية في ذاته حتى وإن كان غير مُجْدٍ، بل وسيلة لرفع جودة الحياة، وتقديم الخدمات النافعة بعضنا لبعض.
الفكرة من كتاب وظائف تافهة
هل تساءلت يومًا لماذا يكره العديد من البشر وظائفهم؟ ولماذا تنتشر النكات الساخرة عن بيئة العمل والرؤساء حتى وإن كان العمل ذا عائد مادي جيد؟ في هذا الكتاب يعرض عالم الأنثروبولوجي ديفيد جرابر نظريته عن طبيعة بعض الوظائف التافهة في الوقت الحالي، بمناقشة العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية التي أسهمت في صناعتها، موضحًا الأضرار الاجتماعية والفردية التي تتسبب بها، ويعد هذا الكتاب امتدادًا لمقال نشره الكاتب في جريدة سترايك !Strike عام 2013 يناقش الأمر ذاته، وانتشر انتشارًا سريعًا بسبب محتواه المثير للاهتمام، وتلقى الكاتب رسائل عديدة تؤيد محتوى المقال عن الوضع الحالي لسوق العمل، وتَرْوِي تجارب حقيقية في هذه الوظائف، فنحن جميعًا على علم بوجود هذه الوظائف التي تبدو بلا أي جدوى ولا تقدم أي فائدة للمجتمع، ولكننا على الرغم من ذلك لا نملك أي تفسير لاستمرارها بل وانتشارها أيضًا! وهنا قد يجادل البعض ويقولون إن الحكم على بعض الوظائف بالتفاهة أمر شخصي ولا يجب تعميمه، لذلك يُعَرِّف الكاتب الوظائف التافهة بأنها تلك الوظائف العديمة الفائدة أو المضرة بالمجتمع، حتى إن من يعملون بها لا يستطيعون الإتيان بمبرر جيد لوجودها حتى وإن كان عليهم التظاهر بعكس ذلك.
مؤلف كتاب وظائف تافهة
دايفيد جرابر: هو بروفيسور أنثروبولوجي أمريكي وناشط أناركي، درس جرابر في جامعة شيكاغو وأجرى أبحاثًا في مجال الأنثروبولوجي في مدغشقر، وحصل على الدكتوراه عام 1996، كما عمل أستاذًا مساعدًا بجامعة يال منذ عام 1998 وحتى عام 2005، ويشتهر جرابر بأعماله الأكاديمية في مجال الاقتصاد وعلم الأنثربولوجي وكذلك بدوره القيادي في حادثة Occupy Wallstreet، من أهم كتبه:
Debt: The First 5000 Years
The Utopia of Rules
The Dawn of Everything