الدخول المرتقب إلى مجتمع الحداثة الفائقة
الدخول المرتقب إلى مجتمع الحداثة الفائقة
إن مجتمع الحداثة الفائقة الذي نحن على مشارف الدخول فيه، هو الآن قيد التشكل، ولا يجب أن ننظر إليه على أنه مجتمع تقنيات وتبادل واتصالات، أو مجتمع موضوعات، بل يجب أن ننظر إليه على أنه مجتمع ذوات إنسانية، فالحقوق الإنسانية الأساسية في هذا المجتمع سوف تتحول إلى قوة فعل شخصية وجمعية تتجسد في مؤسسات هدفها تحرير سيرورة التذوت وتحفيزها والنضال ضد هيئات وقوى نزع التذوت، معتمدة في ذلك على “بعثات”، لا إدارات تنفيذية أو حركات اجتماعية، تُعِد برامج تُدرج فيها الحقوق الإنسانية الأساسية في صُلب التدخل التحريري والتربوي، ولكي تحافظ هذه البعثات على خصوصيتها، كان لا بد من أن يتم تعريفها بمصطلح التحرر، والدفاع الملموس عن الحقوق الأساسية ضد المصالح والنفوذ وصور البيروقراطية.
توجد خمسة أنماط من البعثات من المزمع أن يعتمدها مجتمع الحداثة الفائقة، أولًا: “بعثة الحياة” وتهدف إلى وضع آلية لربط المعارف بالمعدّات الضرورية بغية فهم وإنقاذ الحياة من الأمراض القاتلة ومن جميع صور تلف الجسد، ومن ثمَّ فإن هدف المعرفة الرئيس هو الدفاع عن الحياة، إلى جانب تخطى جميع أنماط المقاومة واللا مساواة الاجتماعية، ثانيًا: “بعثة العمل” وهدفها أن تعيد إلى الأذهان أن الابتكارية عمل وباعثة على المعرفة والإبداع واكتشاف موارد جديدة، ومن ثمَّ التوقف عن الانجرار وراء خداع صانعي الدعاية الاستهلاكية، والتركيز على أن تحشد قطاعات العمل كامل مواردها لتوفير فرص العمل.
ثالثًا: “بعثة المستقبل” وتهدف إلى فتح الأبواب أمام الشباب الذين يتم إقصاؤهم، ومكافحة كل صور اللا مساواة، وإتاحة الفرص أمام الشباب للنجاح والترقية في إطار تعزيز حقوق الجميع وتلبيتها، رابعًا: “بعثة الاستقبال” وتهدف إلى فتح الأبواب أمام المهاجرين واللاجئين إيمانًا بأن مستقبل السلام في العالم يقوم على استقبال ثقافات مختلفة لا غلق الحدود، خامسًا: “بعثة مراحل العمر” التي تتيح جميع الوسائل أمام الناس كافة، وتمكنهم من التفكير والتنبؤ والتخطيط، بدلًا من الاقتصار على الانتقال من وصاية المعلمين إلى وصاية أرباب العمل، ثم إلى وصاية الصناعات الترفيهية والاستهلاكية.
وبناءً على ذلك، فإن الهدف الأسمى لمجتمع الحداثة الفائقة هو مواجهة أي شكل من أشكال نزع التذوّت، الذي يكمن في إنكار حضور الذات الإنسانية لدى الخصم أو العدو، فالعنصرية على سبيل المثال هي عملية إنكار حضور الذات الإنسانية في الآخر المختلف عنّا، ومن ثمَّ يوصف بأنه في مستوى أدنى من الإنسانية أو لا ينتمي إليها، فنزع التذوّت يؤدي إلى كره وإنكار الحقوق الإنسانية الأساسية.
الفكرة من كتاب الحداثة المتجددة.. نحو مجتمعات أكثر إنسانية
يرى “ألان تورين” أن جميع النظريات التي وصفت الحداثة قد اختزلت المجتمعات الحداثية في مجرد مجتمعات اقتصادية استهلاكية أو سياسية قانونية، لذلك يرى أنه لا بد من رفض أي نظرية تقيد السلوك الإنساني وفق قواعد وقوانين ثابتة، ومن خلال ذلك يستعرض مراحل الحداثة، ويحلل المجتمعات الحديثة، كما يرى أننا على أعتاب الدخول إلى مجتمع جديد هو “مجتمع الحداثة الفائقة” حيث يعتمد الإنسان على وعيه بذاته من أجل السيطرة عليها وعلى الطبيعة.
مؤلف كتاب الحداثة المتجددة.. نحو مجتمعات أكثر إنسانية
ألان تورين: هو عالم اجتماعي فرنسي ذو شهرة عالمية، حصل عام 1998 على جائزة “أمالفي Amalfi” الأوربية لعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، له مؤلفات عديدة بلغت نحو أربعين مؤلفًا، منها:
ما هي الديمقراطية؟
نقد الحداثة.
براديغما جديدة لفهم عالم اليوم.
من أجل علم الاجتماع.
معلومات عن المترجم:
جلال بدلة: مترجم وأكاديمي سوري من مواليد دمشق عام 1977، حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة من جامعة بوردو الثالثة، من ترجماته:
فلسفة العنف.
الهمجية.
الإسلام والجمهورية والعالم.
الهوية والوجود: العقلانية التنويرية والموروث الديني.