الداروينية والتفرد الإنساني
الداروينية والتفرد الإنساني
ساد المنهج التجريبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ونجح في دراسة الظواهر الطبيعية، وزعم كثير من علماء وفلاسفة تلك الفترة أن الإنسان يمكن دراسته على أنه ظاهرة طبيعية خاضعة لقوانين المنهج التجريبي، وأن الإنسان مجرد شيء يمُكن تفسيره بقوانين المادة، واستُخدِمت نظرية التطور لتفسير ظهور الإنسان ولإثبات أن وجود البشر هو صدفة محضة، وكتب ريتشارد ديكنز بمجلة مجلس الإنسانوية العالمية: “إن أي إنسان يُنكر التطور هو إما جاهل أو مجنون أو شرير”.
ويبدو التناقض واضحًا بين مبدأ الإنسانوية وبين جوهر الداروينية الرافضة تمامًا لمبدأ المساواة بين الناس، فيقول ويليام سمنر: “ربما يكون الافتراض القائل إن البشر متساوون هو أكثر حماقة وُضِعت في أي لغة بشرية على الإطلاق”، ويقول توماس هكسلي: “الإنسان -مادةً وبنيةً- هو إحدى البهائم”، وبهذا يهدم الداروينيون فكرة استثناء الإنسان فيقول عالم الأحافير ستيفن جي جولد: “إن الداروينية قد نزعت منزلة المخلوقات المثالية المصنوعة على صورة الإله”، وبذلك فقد سلبت الداروينية مركزية واستثنائية الإنسان في هذا العالم؛ إذ جعلت الإنسان جزءًا من السلسلة الحيوانية لا أكثر، فيقول التطوري سيمسون: “الإنسان نتاج عملية مادية لا غاية لها”.
لقد بالغ الفكر المادي في تأليه الإنسان حتى انقلب إلى احتقار الذات والحياة، فالإنسان -من وجهة نظرهم- لا يعدو عن كونه مجرد آلة في مصنع الحياة ولا يختلف عن أي عنصر من عناصر الكون، فوجود الإنسان وجود عبثي لا حكمة منه، ومن ثم لا وجود للكرامة الإنسانية وينعكس ذلك بالضرورة على المبدأ الأخلاقي، فلا وجود لمبدأ أخلاقي موحَّد يُمكن تطبيقه بنفس الدرجة على الجميع، ودعا نيتشه لتأسيس أخلاق القوة، فالمساواة تؤدي إلى فساد الجنس البشري، ودعا إلى نبذ الرحمة باعتبارها معاكسة لقانون الانتقاء وتمنع النوع الإنساني أن يتخلص من فضلاته، فيقول هتلر باعتباره أحد الداروينيين: “ليس بفضل مبادئ الإنسانية يستطيع الإنسان أن يبقى في درجة أسمى من عالم الحيوان، وإنما فقط بالصراع الأكثر شراسة”، وانعكست تلك الأفكار على نظرة الأوروبيين إلى غيرهم من الهنود والأفارقة والآسيويين حتى أصبحت فكرة التفاوت البيولوجي بمنزلة الحقيقة العلمية في المجتمع الأوروبي.
الفكرة من كتاب الإنسانوية المستحيلة
ما المقصود بالنزعة الإنسانوية، وما أهم المحطات الفكرية المتعلقة بها، وما علاقة الدين الإنسانوي بالإلحاد والداروينية، ما موقع الإنسان في كلٍّ من الدين الإنسانوي والإسلام؟
في هذا الكتاب، يستعرض الكاتب أهم المحطات الفكرية المتعلقة بالنزعة الإنسانية كمنهج حياة وتشريع، ودعوتها إلى إخراج الإنسان من أية قيود إلهية، ونظرتها إليه على أنه كائن تقوده شهواته وإغفالها للحياة ما بعد الموت، وإلغاء الاعتبارات والمآلات القيمية والأخلاقية، مع مقارنة ذلك المنهج بما في الإسلام من توضيح حقيقي وعملي للإنسان.
مؤلف كتاب الإنسانوية المستحيلة
إبراهيم بن عبد الله الرماح: مهندس سعودي، حصل على بكالوريوس الهندسة الصناعية والنظم بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وحصل على بكالوريوس الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود، وحصل على ماجستير فقه السنة من جامعة المدينة العالمية، ودكتوراه الهندسة النووية من جامعة مانشستر.
من أهم مؤلفاته: بحث بعنوان “مفهوم العلم في القرآن”، و”علة الربا”، و”الاستشراق: المفهوم.. النشأة.. الدوافع”، وبحوث أخرى في تخصص الهندسة.