الخير كله
الخير كله
إنَّ الإدراك والفَهم للأمور على حقيقتها هو ما يُعظِّم عقيدة المرء تجاهها فتنقاد الجوارح بعد ذلك خاضعة مستسلمة، لذا عليك أن تُدرك أولًا شأن عبادة كعبادة الصلاة في الإسلام لتتمكَّن من إعطائها حقها، فالصلاة رأس الدين وقوامه ولا اعتبار لأي عمل آخر من أعمالك مهما عظمت ولن يُنظر إليها إن أسقطتها وضيعتها، وإنما الأعمال الأخرى هي توابع وفروع من الصلاة التي هي مِفتاح كل شعيرة من شعائر الدين.
والصلاة آية المسلمين وعلامتهم المميزة لهم، فالصلاة لازمة في أحوالهم كلها ولا تسقط إقامتها بأي حال من الأحوال حتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة، بل وقربًا من الموت كظرف الحرب، خصوصًا إذا اجتمعت مواجهة العدو مع الخوف من فوات وقت الصلاة شُرع حينها للمسلمين صلاة خاصة تسمى صلاة الخوف، وبصفة خاصة تناسب الموقف الجليل، وفي نفس الوقت تحافظ على شريعة الصلاة قائمة فلا تسقط، فما عذرنا اليوم -نحن المحاربين في ساحات الأسواق الساعين في الأرض استجلابًا للأرزاق- وكيف نضيع ونتساهل فيما عظَّم الله من شأنه في أصعب الظروف! حقًّا ينقصنا الإدراك الحقيقي لماهية الأشياء وأهميتها.
وإذ يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاة إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾، فكان لزامًا علينا التصديق والتطبيق، فالصلاة ترك كما هي فعل، ترك للكبائر والمنكرات وناهية للعبد عنها ولكن ليست أي صلاة هي التي تنهى المرء، فصلاة النقر والخطف ليست كصلاة الخشوع والتأني، فالأولى مردودة والأخرى مرفوعة مقبولة بإذن الله، إذ إنَّ الخير كله فاتحته الصلاة وخاتمته الصلاة، والخير كله غايته الصلاة ووسيلته الصلاة فأقمها حق إقامتها لعله يصيبك حظٌّ من خيرها.
الفكرة من كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
“جاء القرآن رسالة تعبر تلك المسافات كلها لتلقي على الإنسان خطابًا ربانيًّا عظيمًا، يحمل قضايا محددة، قصد إبلاغها للناس”، فكيف نتحدَّث عن رسالة لا يزال عبيرها أخاذًا، يزيده مرور الزمن نداوة، والحرف فيها مقدَّس وله وزن، والكلمة فيها بمقدار فلا زيادة ولا نقصان، أليس الأولى والأحرى بقوم بين أيديهم تلك الرسالة وذلك البلاغ الرباني أن يولوه عناية فائقة وأن يقدروه حق قدره وأن يحفظوا مضمونه قولًا ويتمثَّلوه فعلًا ويقدِّسوه إحساسًا وشعورًا!
هنا في هذا الكتاب شيء من مضامين ذلك البلاغ، بل أصوله وعظيم مقاصده.
مؤلف كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العليا في الدراسات الإسلامية في أصول الفقه من كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، كما حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب أيضًا جامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس في المغرب.
من مؤلفاته: “الفطرية بعثة التجديد المقبلة”، و”البيان الدعوي وظاهرة التضخُّم السياسي”، و”جمالية الدين”.