الخوف الأخلاقي والأنماط الصحية
الخوف الأخلاقي والأنماط الصحية
تعد الأخلاق مكونًا رئيسيًا للخوف، لأن البعض يعرفه بأنه استجابة نفسية تتوسطها الأخلاق، امتلكت الأخلاق سلطة ضخمة على ضمير الفرد، كونها جزءًا من الدين، ولكنها تآكلت النسخة الدينية من الأخلاق في القرن الواحد والعشرين، وفقدت تأثيرها على توجيه وإرشاد الإنسان للتعامل مع التهديدات، وللضرورة القصوى للأخلاق، تسعى عدة محاولات لصناعة نسخة حديثة علمانية منها، استجابة للمخاطر الأخلاقية الجديدة، ولمحاولة بناء نظام أخلاقي مستقر، يستعيد القدرة على ضبط وتنظيم الخوف، الذي استفحل وسال في جميع تفاصيل الحياة.
تتصارع جميع الثقافات حول إسباغ أو فرض نوع من المعنى على العالم، ليساعد الأفراد في مواجهة الحياة، عبر منحهم إطارًا تفسيريًا للظواهر والأحداث المختلفة، وإرشادهم إلى الفعل الصحيح، وتسعى العلمانية لفصل الخوف عن الصبغة الدينية للأخلاق، لتستخدمه في تغيير الأنماط اليومية للبشر، أي تستبدل الذعر الأخلاقي بسردية الصحة، فما أثار الخوف الأخلاقي في الماضي، الآن صار يهدد الصحة.
وتصاعدت مكانة سردية الصحة في خطاب الخوف، واحتلت مساحات واسعة من نداءات ونبوءات المستقبل المخيف، واستخدم رواده أسلوبًا شبيهًا بالوعظ الديني للتأثير على الجماهير، وحشدوا الأدلة العلمية والطبية لدعم سردية الصحة، وتخويف الناس من العواقب الجسدية لأنماط عاداتهم، وما زاد من حالة الهلع الصحي العامة، تفسير الأمراض التي تصيب الأفراد من منظور سلوكياتهم السيئة، لنصل إلى الصورة النهائية، فنرى كل عادة في يومنا تهديدًا مستقبليًا، يجب أن يشعرنا بالذنب الأخلاقي. التبست الأخلاق بالخوف مرة أخرى، لكنها مالت نحو صورة مختلفة من السلوكيات، فالفعل الأخلاقي لم يعد فعلًا دينيًا بل صحيًا، فما تتناوله اليوم وطريقة ممارستك للرياضة، تراها الثقافة المعاصرة ضمن مساحة الأخلاق، فقد تعد إنسانًا سيئًا إذا تناولت اللحم أو قطعة من الشوكولاتة.
الفكرة من كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
انتشر مصطلح ثقافة الخوف في أدبيات علم الاجتماع، وزادت نسبة الاهتمام به، وبذل عدة باحثين مجهودات ضخمة لتتبع الخوف، وتحديد مظاهره وسماته وتاريخه، وكلما تعمقوا في البحث، تيقنوا أن للخوف تأثيرًا ضخمًا على حياتنا وعالمنا، بل قد يصبح الدافع الوحيد أما البشرية للتحرك إلى الأمام.
كيف نخاف؟ ومما؟ وما الذي يصنع مجتمعا خائفًا وآخر شجاعًا؟ وهل تغير خوفنا بتقدم العلم والمعرفة؟ ألم تعدنا الحضارة بالقضاء على الخوف، وبمستقبل خال من التهديدات؟ فما الذي تغير؟ سنجيب عن تلك الأسئلة رغبةً في فهم الخوف في القرن الواحد والعشرين، لعلنا نتمكن من إدارته وتنظيمه.
مؤلف كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
فرانك فوريدي: عالم اجتماع مجري ولد في بودابست بعام ١٩٤٧م، هاجرت عائلته من المجر إلى كندا بعد انتفاضة ١٩٥٦م الفاشلة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في جامعة ماكجيل، ثم انتقل ليعيش في بريطانيا منذ عام ١٩٦٩م، ثم حصل على درجة الماجستير في السياسة الأفريقية من كلية الدراسات الشرقية الأفريقية، أتبعها بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كينت عام 1987م. كرس عمله الأكاديمي لدراسة الإمبريالية والعلاقات العرقية واستكشاف علم الاجتماع، مؤلفا عدة كتب مثل:
أين ذهب كل المثقفين؟
سياسة الخوف.
معلومات عن المترجم:
كريم محمد: كاتب ومترجم مصري، من أعماله:
حتى تنطفئ النجوم.
سوف ننجو بأعجوبة.