الخوارج الأُوَل
الخوارج الأُوَل
لقد حذَّرت الشريعة من اتباعهم والافتتان بهم، ووصفتهم بأشد الأوصاف، فقال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم): “شر الخلق والخليقة”، وقد اختلف علماء الإسلام في تكفيرهم فذهب بعضهم إلى عدم تكفيرهم، وذهب الآخر إلى تكفيرهم -وهم قِلَّة- وذلك بسبب تكفير الخوارج لبعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ممن ثبت فضلهم وبُشِّروا بالجنة، وعلى الرغم من ذهاب جمهور العلماء إلى عدم كُفرهم، فهذا ليس مُلزمًا لبراءة من وقع في شيء من المكفِّرات من بعض غُلاتهم، وقد شدَّدت الشريعة أيضًا على ضرورة مواجهتهم بشكلٍ رادع، وحازِم، أي بالقِتال، ولم يرد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) مجرد اختصاصه بتكفير مرتكب الكبيرة، بل ظهرت العديد من السمات الأخرى التي لم تكن هذِهِ من ضمنها، وقد خصَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلَّم) الخوارج بالذِكر عن غيرهم من أصحاب البِدع لأن بشرتهم الأولى ظهرت في عهد النبي (صلى الله عليه وسلَّم)، وأنهم أول طوائف أهل البدع ظهورًا، واشتمال بدعتهم على استحلال دماء المسلمين،
وكذلك إمكانية حدوث فتنة كبيرة بهذا النموذج لما في ظاهره من غيرة على الدين وسعي لتحكيم شريعة الله (عزَّ وجل)، وقد ظهر الخوارج بشكلٍ صريحٍ وواضح حين افترقت الأمة الإسلامية في خلافة علي (رضي الله عنه)، ومبدأُ هذا الانقسام كان بسبب مقتل عثمان (رضي الله عنه)، أمَّا عن مكان ظهورهم فهو من العراق، أي من شرق الجزيرة العربية كما قال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلَّم)، وسُمُّوا حينها بالحرورية، وذلك نسبة إلى حروراء، المكان الذي عاد إليه من استقرَّت لديهم شبهة الخروج عن حكم سيدنا علي (رضي الله عنه) بعد معركة صفِّين، والأصل النظري لدعواهم التي انطلقت حينها هي قولهم إنه “لا حكم إلا لله” قائلين عن جهلٍ بفقه الحُكم والتحكيم
الفكرة من كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
إن الخوارج من أعجب أهل البدع منهجًا ومنهجيَّة، فالباحث في حالهم يتعجَّب كثيرًا كيف لفئة من المسلمين محاربة وتكفير فئة أخرى وفيهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، وقد قاموا بجرائم كان العربي في جاهليته يتعفَّف من ذِكرها عوضًا عن فعلها، وهذا الكتاب مبحثٌ عميق في امتدادهم التاريخي، وأصل فكرتهم، وما آل إليه حالهم في واقعنا المُعاصر، مع سبرٍ لأغوار نفوسهم وبحثٍ في أسباب انحرافهم عن أهل السنة والجماعة.
مؤلف كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
عبد الله بن صالح العجيري: وُلِد عام 1976م بمدينة الخُبر بالسعودية، تخرَّج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بكُلية الهندسة تخصُّص الحاسب الآلي، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود وتخرَّج فيها بكلية أصول الدين، وهو باحثٌ ومفكِّر إسلامي، ومدير لمركز تكوين للدراسات والبحوث، له العديد من المقالات والكتب منها: “شموع النهار“، و”عبث الرواية“، و”ينبوع الغواية الفكرية“.