الخلافة.. بداية الرخاء
الخلافة.. بداية الرخاء
ولم تكن الثورات هي الصدمة الكبرى في ولاية عثمان، وإنما ابتُلي الناس بحال السلم والرخاء من بعد استقرار الأمر، وعم الرخاء وزادت الثروات على نحو كبير حتى تبلغ ثروة الرجل الواحد ما يعدل ثروة المترفين في الجاهلية معًا، حتى يقول عبد الرحمن بن عوف: “ولكنا ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر”، فتغيَّرت النفوس وما بات الناس رعايا خلافة ولا رعايا مملكة، فلم يكن لعثمان ما كان للخلفاء قبله من حق ولا ما كان للأمراء من بعده من حق، والفارق بينهما هو الفارق بين الثقة التي لا تحتاج إلى حماية، والسلطة التي تحمي نفسها، وقد أشير على عثمان أن يشغل الناس بالجهاد فرفض أن يكون الجهاد ذريعة سياسية يستخدمها.
وقد كان أبو بكر يخشى الدنيا على “علية” الصحابة، وعمر كان يسلمها من لا يقدرون على مخالفته، وكانوا يستبقونهم بقربهم ويرسلون القادة إلى الميادين لئلا تفتنهم الدنيا، أما في عهد عثمان (رضي الله عنه) فقد باتوا منافسين له يترقَّبون للحساب في كل لحظة، وكان عثمان يرسل هؤلاء في الميادين إرضاء لهم ولتثبيت الناس في الأقطار البعيدة، ولما شقَّ عليه الاطمئنان للولاة اختار للولاية ذوي قرابته ممن سبق لهم الولاية، لعل القرابة تكون أكثر أمنًا له منهم.
الفكرة من كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
إن تاريخ العقيدة هو تاريخ قيم ومبادئ وليس تاريخ أحداث، فالأحداث ربما نجد ما يماثلها كثيرًا على مدى التاريخ، أما المختلف فهو بواعث تلك الأحداث، واللافت في سيرة عثمان (رضي الله عنه) أمرين؛ الأول أنها كانت مرحلة تحوُّل ما بين الخلافة الراشدة والملكية، والثاني هو قتله (رضي الله عنه) بوحشية بيد مسلمة لا دخيلة على الإسلام.
والخلاف ليس هو المستغرَب، إذ إن دور العقيدة ليس أن تبطل خلافًا أو تكفَّ نزاعًا، وإنما هي تترفَّع بالناس عن النزاع في ما لا يستحق، وليست هناك صدمة إن نحن نظرنا إلى الأمر من منظور القيم وأيقنَّا أن الحوادث لا بدَّ أن تقع، فهناك نزاع على محاسبة الإمام نفسه ورعيته ومحاسبة الرعية لإمامهم بعد زمن كان فيه زعماء القبائل يطغون ويتجبَّرون ويشرعون لأهوائهم ولا يكون فيه عزة أحدهم إلا بإذلال غيره.. يأخذنا العقاد عبر رحلة في سيرة عثمان (رضي الله عنه) الذي يصفه بأنه: “ذو النورين: نور اليقين ونور الأريحية والخلق الأمين”.
مؤلف كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
عبَّاس محمود العقَّاد: أديب وشاعر وناقد أدبي، كما أنَّهُ فيلسوف وسياسي وصحفي، ومُؤرِّخ، ولد في مصر عام 1889م وتوفي عام 1964م، حاصل على الشهادة الابتدائية فقط، أحد مؤسسي مدرسة الديوان التي عُنيت بالنَّقد في العصر الحديث، كما أنشأ صالونًا أدبيًّا في بيته، كتب أكثر من ثمانين كتابًا بين الكتب الدينية الفكرية وكتب السير والكتب الأدبية والدواوين الشعرية، ومن أبرز مؤلفاته: سلسلة العبقريات، التفكير فريضة إسلامية، المرأة في القرآن، أفيون الشعوب، وديوان شعر “عابر سبيل”.