الخطط السياسية ودولة الرفاهية
الخطط السياسية ودولة الرفاهية
إن السياسة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن قضية رئيسة في الانتخابات الأمريكية لأن الحرب الباردة لم تكن بدأت بعد، لكن القضية التي شغلت الناخبين في عام 1948 هي الخوف من أن “الجمهوريين” سيحاولون نقض إنجازات فرانكلين روزفلت المحليَّة، وإلغاء برنامج “الإصلاح الجديد”، وبحلول عام 1952 ودخول الجمهوريين إلى البيت الأبيض، قد قبلوا برنامج الإصلاح الجديد، بوصفه ملامح دائمة من المشهد الأمريكي، وكان هذا القبول من جانب الجمهوريين راجعًا إلى ضرورة سياسية، فقد قال “أيزنهاور” في رسالة لأخيه: “إذا حاول أي حزب سياسي أن يُلغي الضمان الاجتماعي، وتأمين البطالة، وأن يتخلَّص من قوانين العمل، وبرنامج المَزارع، فإنك لن تسمع بذلك الحزب مرَّة أخرى في التاريخ السياسي الأمريكي”، وبالتالي فإن برنامج الإصلاح الجديد قد تجاوز كونه يتضمَّن تجديدات راديكالية، وصار جزءًا من النسيج العادي للحياة الأمريكية.
إن استقامة برنامج الإصلاح الجديد لم تكن مصادفة، فقد أنشأ فرانكلين روزفلت قسمًا قويًّا هو “قسم التحقيق في التقدم” لمواجهة أي فساد محتمل، وذلك بالتحقيق في الشكاوى من سوء سلوك المسؤولين في إدارة مشروعات الأعمال، وبرهن هذا القسم على نجاحه، إذ لم يستطِع مجلس الشيوخ أن يجد مخالفة واحدة غير نظامية جدية أغفلها القسم، وبناءً على ذلك كان الدور الفعَّال للحكومة في الاقتصاد له الأثر في تخفيض اللامساواة تخفيضًا كبيرًا، وصارت فكرة تحظى بالاحترام، وأصبحت وجهة النظر القديمة التي ترى أن أفضل حكومة هي حكومات اللامبالاة، وجهة نظر مستبعدة بوصفها غريبة.
كان كثير من عمال الأجور المنخفضة محرومين من الانتخاب بالقانون، وكانت أكثر فئة من العمال المحرومين من حق الانتخاب السكان الأفارقة الأمريكيين في الجنوب، إذ إن الولايات الجنوبية حتى الخمسينيات كانت في فقر على نحو بائس مقارنة مع الولايات الشمالية، فأدَّى منح جزء كبير منهم حق الاقتراع إلى مساندة ودعم برنامج الإصلاح الجديد، لأنه بالنسبة لهم ربح خالص، وهذا ما بدا ظاهرًا بعد عقود عندما حاول “جورج دبليو بوش” خصخصة الضمان الاجتماعي، فوجد معارضة شديدة في الولايات الجنوبية أكثر من بقية البلاد، وإلى جانب هذه الفئة تلاشت فئة المهاجرين تدريجيًّا، إذ أصبح 90٪ منهم لهم حق المواطنة والانتخاب القانوني، وبذلك صار 95٪ من البالغين في أمريكا لهم حق الانتخاب القانوني، فكانت النتيجة وجود بلد فيه الأكثرية الساحقة من العمَّال نالت حق الانتخاب، ومدعومين من “اتحادات العمال” التي رفعت وعيهم وحافزهم السياسي.
الفكرة من كتاب ضمير ليبرالي
يبيِّن الكاتب في هذا الكتاب أن تاريخ اللامساواة في الولايات المتحدة الأمريكية راجع إلى خطط سياسية حكومية مستهدية بحركات سياسية منظَّمة، إذ وُجدت أطراف كانت تدافع عن اللامساواة مستغلة الانقسامات العرقية والثقافية لمصلحتها، ما أدى إلى تركيز الثروة في يد عدد قليل للغاية من الناس ما منع ظهور الطبقة الوسطى خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وظل الأمر على هذا الوضع حتى مجيء فرانكلين روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قام بوضع برنامج إصلاحي (برنامج الإصلاح الجديد) أدى إلى تقليل فجوة الثروة والدخل، وظهور الطبقة الوسطى، وتقليص عدد الأغنياء عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، وتأمين البطالة، والضمان الاجتماعي، فشهدت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فترة من رعاية الرفاهية العامة، إلا أنه مع بداية الستينيات ظهرت حركة المحافظين الجدد التي أرادت أن تخصخص المؤسسات التي أنشئت نتيجة برنامج الإصلاح الجديد، واستطاعوا أن يكوِّنوا قاعدة شعبية لهم، أدت في النهاية إلى انقراض الطبقة الوسطى تدريجيًّا، وتركيز الثروة في يد قلة قليلة من الناس.
مؤلف كتاب ضمير ليبرالي
بول كروغمان: هو اقتصادي أمريكي، وأستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، فاز بوسام “جون بيتس كلارك”، وهو أثمن جائزة تمنح للاقتصاديين الأمريكيين، وحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2008، يدرِّس علم الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة برنستون الأمريكية.
معلومات عن المترجم:
محمد محمود التوبة: هو كاتب، ومترجم فلسطيني، من ترجماته:
انتحار الغرب.
سرقة التاريخ.
طريق الصين.