الحِس والعقل مصدران من مصادر المعرفة في الإسلام
الحِس والعقل مصدران من مصادر المعرفة في الإسلام
يتم تحصيل المعرفة في الإسلام من خلال (الحِس والعقل والخبر الصادق)؛ فمن أخذَ بهذه المصادر الثلاثة واعتبرها مصادر رئيسة لتحصيل المعرفة، كان أكمل عِلمًا من أصحاب المذاهب الفلسفية الذين اختزلوا مصادر المعرفة في مصدر واحد، فكل مصدر من المصادر الثلاثة معنيٌّ ببابٍ من العلوم، فبالتالي يصاب الإنسان بالجهل بمقدار ما يترك من تلك المصادر.
فالإسلام قد أولى “الحِس” عناية خاصة، مؤكدًا أهمية المعارف الناتجة عن الحواس، كما ذمَّ القرآن الكريم الكافرين لتعطيلهم تلك الحواس، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾، فموقف الإسلام عدم استبعاد الحواس والتشكيك فيها كما فعل السفسطائيون وبعض أتباع المذهب العقلي، كما أكد علماء الإسلام أن الإنسان يأتي إلى الدنيا مثل صفحة بيضاء خالية من أي معارف قبلية، وأن كل المعارف مصدرها الحِس، لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ويُشترط لكي تكون المعارف الناتجة عن الحِس يقينية، أن تكون الحواس سليمة من الأمراض والعلل، وأن لا يحصل خلل في الواقع الموضوعي للأشياء.
ومع الإقرار بدور الحواس وكونها من مصادر المعرفة، فللعقل أهمية بالغة، فقد جعله الله وسيلة للتمييز، ومناط التكليف، ودعا القرآن إلى النظر العقلي وحثَّ عليه في مواضع كثيرة منه، وذمَّ من قام بتعطيل عقله بالتقليد وعدم التفكير، وللعقل خواص يتميز بها عن الحِس، كقدرته على الاعتبار والقياس والتجريد والتعميم، فالحواس تقوم بإدراك الجزئيات، أما معرفة الكليات فيكون من خلال العقل.
الفكرة من كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
تُعد نظرية المعرفة من أهم مباحث الفلسفة، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة، فكل فيلسوف وكل مذهب فلسفي لا بُد له من أصلٍ معرفي يُقيم عليه فلسفته، ونتيجة ذلك اختلف الفلاسفة تبعًا لاختلاف مصادر المعرفة لديهم وطُرق تحصيلها والوسائل الموصلة إليها، كما اختلفت نظرة كل مذهب فلسفي إلى الكون والوجود والحياة تبعًا لهذا الاختلاف في المصادر المعرفية، واتسمت جميعها بالاختزال، على عكس الإسلام الذي اتصف بالشمول وتَعدُّد مصادر المعرفة.
مؤلف كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
أحمد الكرساوي: كاتب وباحث في الفلسفة ونظرية المعرفة.